موعد جديد مع الإرهاب!
قد تكون جريمة نيوزيلندا عملاً فردياً
لا يتجاوز عدد منفذيه أربعة إلى خمسة أشخاص، لكنها بكل المقاييس فعل منظم قد تم الإعداد والتخطيط له مسبقاً والإعلان عن تنفيذه قبل وقوعه، والأخطر من ذلك الترويج له في بعده الفكري وفلسفته العنصرية التي تصدح بالتعبير عن الكراهية والانتقام التاريخي.
لا يتجاوز عدد منفذيه أربعة إلى خمسة أشخاص، لكنها بكل المقاييس فعل منظم قد تم الإعداد والتخطيط له مسبقاً والإعلان عن تنفيذه قبل وقوعه، والأخطر من ذلك الترويج له في بعده الفكري وفلسفته العنصرية التي تصدح بالتعبير عن الكراهية والانتقام التاريخي.
الجريمة الإرهابية القذرة في نيوزيلندا التي استهدفت مجموعة من الأبرياء والآمنين وهم يستعدون لأداء صلاة الجمعة قد لا تكون مستغربة رغم بشاعتها وتوقيتها ومكانها في أكثر الدول استقراراً وأمناً وتسامحاً، لأنها تأتي نتيجة لتنامي ثقافة الكراهية والتطرف اليميني فيما يعرف بالمجتمعات الغربية بعد عقود من الديمقراطية وحقوق الإنسان والتباهي بقيادة العالم الحر، وفتح الأبواب لهجرة الملايين من شعوب العالم الذين هربوا من الجوع والفقر والحرمان السياسي، وانخرطوا في كل أشكال العمل بدءاً بالوظائف المتواضعة والخدمية وانتهاءً بأعلى المواقع العلمية والتكنولوجية وحتى السياسية في هذه البلدان.قد تكون جريمة نيوزيلندا عملاً فردياً لا يتجاوز عدد منفذيه أربعة إلى خمسة أشخاص، لكنها بكل المقاييس فعل منظم قد تم الإعداد والتخطيط له مسبقاً والإعلان عن تنفيذه قبل وقوعه، والأخطر من ذلك الترويج له في بعده الفكري وفلسفته العنصرية التي تصدح بالتعبير عن الكراهية والانتقام التاريخي، وأخيراً التباهي بالمظلة السياسية لمروجي هذه النزعة الشعبوية، وعلى رأسهم الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي خصه المجرم الأسترالي بالاسم واعتبره الملهم لفكره وفعلته النكراء.
حادثة المسجدين في نيوزيلندا، مدمية للقلوب ومثيرة للألم، لكنها تفتح أبواباً كثيرة لا تخلو من نقد الذات، ومنها السؤال: لماذا هجرة المسلمين من ديارهم، وبهذا الكم العددي الكبير؟ فقد كان شهداء المسجدين من العديد من الجنسيات العربية والإسلامية الذين دفعهم العوز والظلم والحاجة إلى العيشة الكريمة للانتقال إلى آخر الدنيا، وهذه قضية قد لا تقل في مرارتها وبشاعتها عن جريمة القتل المروعة، بل إنها شكل من أشكال الإرهاب عندما تتعمد الحكومات تطفيش فلذات أكبادها من أرضهم وبني جنسهم، وكم من هؤلاء المهاجرين لقوا حتفهم على شواطئ نيوزيلندا وأستراليا وأوروبا خلال السنوات الماضية.القضية الأخرى تكمن في الأفكار المنحرفة والمتطرفة لبعض المحسوبين على المسلمين ممن شاركوا بشكل مباشر في تشويه سمعة الإسلام وأتباع هذا الدين، وارتكبوا المجازر والجرائم الإرهابية بشكل منظم وأحياناً برعاية حكومية حتى من الدول الغربية، وإذا كان الإرهاب فعلاً مشيناً لا تحده حدود ولا انتماء الضحية ولا جنس الجناة، فإن ما جنته أيدي الإرهابيين المسلمين يفوق مرات ومراتٍ جريمة نيوزيلندا، وخصوصاً مداهمة المساجد وتفجيرها وقتل المصلين فيها، ولم تسلم المساجد في السعودية والكويت والبحرين ومصر وسورية واليمن وتونس وغيرها من الدول الإسلامية كباكستان وأفغانستان وإندونيسيا من عمليات مشابهة، كما أن العمليات الإرهابية التي ارتكبها المحسوبون على الإسلام في أنحاء العالم، رغم قبحها وإدانتها، إلا أنها لا تقارن بالمجازر المروعة على نطاق غير محدود في عالمنا العربي والإسلامي.وأخيراً، لا يمكن إنكار الجهود التي تتبعها بعض الدول حتى الغربية منها في مواجهة التطرف بما في ذلك تطرف أبنائها كرد فعل لتبعات الفكر الأصولي والعنصري، ولكن الأب الروحي لمنفذ جريمة نيوزيلندا المدعو برينتون تارنت هو من ندفع له مئات المليارات من الدولارات في وقت لا يكف عن ابتزازنا والهجوم علينا بأقبح العبارات، ويحرض عملنا بفكره الشعبوي العنصري، فمن نعزي إذا ما تجدد علينا الإرهاب كل مرة؟!