لم تحمل السنة الماضية رياحاً مؤاتية للرجال في بكين، فبعد سنوات من ميلان كفة ميزان القوة باتجاه الشرق، انتفض الغرب، ونشهد في الطليعة الضغط الأميركي على الصين كي تتخلى عن سياستها التجارية الحمائية وتجسسها الصناعي، إذ نبهت إدارة ترامب الصين لضرورة أن تبدّل أساليبها وإلا ستدفع ثمناً باهظاً، وتتجه المفاوضات التجارية نحو اعتماد قواعد جديدة.وجّهت الخدمات الأمنية في الولايات المتحدة، كندا، وأستراليا، وبريطانيا، ودول أخرى تحذيرات إلى عملاق التكنولوجيا اللاسكية هواوي على أسس الأمن الوطني، ففي الرأسمالية التي تقودها الدولة في الصين، على شركات مثل هواوي التعاون مع السلطات الحكومية، ويشمل هذا التعاون مشاركتها في البيانات.
علاوة على ذلك، قاد المشرعون الأميركيون الحرب ضد استغلال الصين النفوذ المالي بغية تقويض أسس الحرية الأكاديمية. تتردد الجامعات الغربية في قبول حصان طروادة المتمثل بمعاهد كونفوشيوس، في حين يُعمل على إقفال ما أُنشئ من هذه المعاهد، كذلك تبدلت لهجة التعليقات الإعلامية، فقد صمت مَن سعوا إلى استرضاء الصين، في حين علت أصوات التحذير.قبل سنة ارتكب الرئيس الصيني شي جين بينغ أول خطأ كبير له منذ تبوئه منصب القائد الأعلى في عام 2012، فألغى المادة الدستورية التي تحدد مدة الرئاسة بولايتين فقط، ورفعت هذه الخطوة الستار وسمحت للعالم برؤية النظام على حقيقته. صحيح أن شي يتكلم لغة حكم القانون، إلا أنه مستعدة لتغيير الدستور بحركة من إصبعه إذا لاءمه ذلك.في الداخل شدد الحزب الشيوعي سيطرته بقوة خلال عند شي، قُوّضت أولاً مجموعة بطولية من المحامين المدافعين عن حقوق الإنسان، أما عملية السيطرة الاجتماعية، فبلغت أقصى درجاتها مع "نظام الائتمان الاجتماعي" الذي يجمع بيانات ضخمة والذي توزّع بموجبه المكافآت أو العقوبات على الناس وفق علامات سلوك المواطنين على مقياس يتراوح بين الجيد والسيئ. كذلك حُوِّلت ولاية سنجان الغربية، حيث يتركز الأويغور وغيرهم من الأقليات المسلمة، إلى دولة بوليسية توتاليتارية تترافق مع عمليات احتجاز واسعة وشبكة من معسكرات الاعتقال.أما في الخارج، فتتبع بكين سياسة هيمنة عالمية، وأداتها الرئيسة في ذلك مبادرة الحزام والطريق التي تقرض بموجبها الصين الدول المشاركة مالاً للاستثمار في البنى التحتية. هذه القروض والمشاريع لا تُقاوم، إلا أن تأثيراتها تشمل إرغام الأمم المتلقية على الاعتماد على بكين.رغب الغرب بشدة في اعتبار الصين قوة متعاونة، إلا أن بكين جعلت التمسك بهذا الوهم مستحيلاً. عندما عجزت سريلانكا، مثلاً، عن تسديد خدمات القروض، استولت الصين على المرفأ المعني، فضلاً عن نحو ستة آلاف هكتار من الأراضي المحيطة به، في عقد إيجار مدته 99 سنة، محققة تنازلاً على غرار ما شهدناه مع هونغ كونغ في دولة أضعف، وتشمل الدول الأخرى التي وقعت في شرك الديون الصينية زامبيا، التي خسرت في أواخر عام 2018 مطارها الدولي الرئيس، وكينيا، التي تواجه اليوم خطر تخليها عن مرفأها الرئيس في مومباسا لعجزها عن تسديد قرض صيني موّل سكة حديد بنتها الصين بين مومباسا ونيروبي إلا أنها لا تحقق الأرباح.ما يزيد الطين بلة أن شي وأعوانه يلجأون إلى التنمر عندما يواجهون المقاومة. على سبيل المثال، بعدما انضمت نيوزيلندا إلى الدول الغربية الأخرى في تصديها لشركة هواوي، عجزت رئيسة الوزراء جاسيندا أرديرن عن تحديد موعد لزيارة مخطط لها منذ زمن إلى الصين، كذلك أُلغي فجأة إطلاق مبادرة سياحية كانت قد حظيت بحملة ترويج واسعة، وفي قضية بارزة في نيوزيلندا أيضاً، وجدت البروفيسورة آن-ماري برادي من جامعة كانتربيري، بعد نشرها مقالاً ينتقد بقوة النفوذ الصيني في البلد، نفسها وعائلتها هدف حملة تهويل تعتقد أن السلطات الصينية نظمتها.على نحو مماثل، عندما أدلى وزير الدفاع البريطاني ببعض الملاحظات الانتقادية بشأن بحر الصين الجنوبي، أُلغيت زيارة مخطط لها لوزير المالية إلى الصين. أما النرويج، فقد أُرغمت على توقيع معاهدة صداقة تلتزم بموجبها حكومتها، التي تمثل عادةً صوتاً مدافعاً عن حقوق الإنسان، بالسكوت عن الانتهاكات الصينية.ولكن مع سعي الغرب إلى التصدي للصين، بدأت إعادة اصطفاف القوى (مع أنه ليس مصطلحاً قوياً) أخيراً في تضييق المساحة التي تعمل فيها الصين. والمستفيد المباشر تايوان التي تقع على خط فاصل معاصر بين التوتاليتارية والديمقراطية. فخطر أن تدوس الصين الحرية في هذا البلد صار اليوم أقل مما كان عليه قبل سنة.قال ونستون تشرشل عن جوزيف ستالين في السنوات الأولى عقب الحرب العالمية الثانية إنه لا يعتقد أن ستالين أراد الحرب بل غنائهما. وينطبق الأمر عينه على شي جينبينغ اليوم. لكن الغرب بدأ أخيراً يرفع صوته ضد انتهاكات السلطة الصينية. ويبدو أن التكلم مع هذا العملاق بكلمات واضحة حازمة خطوة فاعلة.* شتاين رينغن* «لوس أنجليس تايمز»
مقالات
الغرب يتصدى للصين ويحقق النجاح
20-03-2019