لا نهاية لأزمة الديمقراطية وحكم القانون في «الأوروبي»
من الضروري أن تقر المفوضية الأوروبية أن للقيم التي تبناها الاتحاد الأوروبي في المادة الثانية من معاهدته خصائص دستورية مميزة، لذلك عليها أن تفرّق بين المسائل «الدستورية» المرتبطة بالمادة الثانية والمسائل «العادية» المتعلقة بقانون الاتحاد الأوروبي، وأن تطور طريقة تفكير دستورية محسّنة تشدد على أهمية تقيد الدول الأعضاء بقيم الاتحاد الأوروبي.
ما زال كثيرون من «الأوروبيين القدماء» يعتبرون أن أزمة الديمقراطية وحكم القانون في الاتحاد الأوروبي، التي تشمل استمرار هنغاريا وبولندا في السير نحو الحكم الاستبدادي وتداعيات ذلك، مجرد دليل محرج على تخلف أوروبا الوسطى والشرقية، دليل يظل تأثيره محدوداً في المسائل الأوروبية المهمة. ونتيجة لذلك لم تحظَ هذه الأزمة باهتمام كبير، ولم تُخَصَّص لها سوى موارد سياسية محدودة في السنوات الأخيرة بغية إصلاح انتهاكات القيم الأساسية داخل الاتحاد الأوروبي.لكن أوروبا الوسطى والشرقية تلقّن ببطء ولو عن غير عمد درساً مهماً للأوروبيين القدماء غير القلقين مفاده أن الاتحاد الأوروبي يبقى اتحاداً سياسياً رغم اختلافاته، وغياب تجانسه، وثقافاته السياسية المختلفة، وتخلفه، وإعراب أعضائه عن الرضا الذاتي، وأن الانهيار الشامل في هذا الاتحاد السياسي للديمقراطية الليبرالية على المستوى المحلي يمتد إلى المسرح السياسي الأوروبي.لن تُحدَّد تركيبة البرلمان الأوروبي التالي في انتخابات حرة وعادلة، فإذا تعرضت الانتخابات المقبلة للتلاعب حتى في دولة واحدة من الدول الأعضاء، تكون نتيجة كامل عملية التمثيل الأوروبي هذه قد تعرضت للتلاعب أيضاً، وبعد عمليتَي انتخابات برلمانية «حرة إنما غير عادلة»، لن تكون عملية الاقتراع الأوروبي في هنغاريا هذه السنة مختلفة، فلا ترتبط هذه المسألة بالنظام الانتخابي في هذا البلد، علماً أن هذا النظام يختلف في الانتخابات الأوروبية عن المتبع في الانتخابات الوطنية. تكمن المشكلة في بيئة وسائله الإعلامية وحملاته وفي «التداخل الكبير بين موارد الدولة وموارد حزب فيدس، مما يقوّض بالتالي قدرة المرشحين على التنافس على أسس متساوية»، كما استخلصت مهمة مراقبة الانتخابات التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا بعد الانتخابات العامة عام 2018.
ننتظر الأسوأ
لم تظهر أزمة الديمقراطية وحكم القانون في أوروبا فجأةً بدون سابق إنذار، بل تطورت تدريجياً منذ عام 2010 وتفاقمت بسبب ردود فعل مؤسسات الاتحاد الأوروبي غير الفاعلة، كما أوضحتُ في تقرير سابق، ولكن المؤسف أن الأطر السياسية والمؤسساتية بعد الانتخابات والعمل تالياً على تشكيل مفوضية جديدة سيحدان أكثر من الفرص المتاحة لإلزام الدول الأعضاء بالتقيد بالقيم الأوروبية، مثل الديمقراطية وحكم القانون.لا شك أن الاستراتيجيات والحلول القصيرة الأمد تُعتبر مهمة في الأسابيع التي تلي الانتخابات، ولكن حتى في أفضل الأحوال، لن تحقق أي هدف غير احتواء الضرر. وإلى أن يتشكل البرلمان والمفوضية الجديدان في مرحلة لاحقة من هذه السنة، سيكون لرئاسة فنلندا الاتحاد الأوروبي دوراً بالغ الأهمية، ويصح ذلك خصوصاً في مسألة الترتيب لجلسات الاستماع بموجب المادة السابعة لهنغاريا وبولندا في المجلس الأوروبي ورئاستها، ولكن لا يمكن تحقيق نتائج مستدامة إلا إذا أعادت مؤسسات الاتحاد الأوروبي الرئيسة، وخصوصاً المفوضية الأوروبية، النظر في مقاربتها إلى أزمة الديمقراطية وحكم القانون. أولاً، لم تكن النواقص في إطار العمل القانوني في الاتحاد الأوروبي السبب الذي أعاق هذا الاتحاد حتى اليوم عن معالجة هذه الأزمة، بل الأطر السياسية، والتقاليد المؤسساتية، والمفاهيم بشأن الأدوار والصراعات بين مؤسسات الاتحاد الأوروبي. ومن دون حل هذه المشاكل، يبقى تحسين إطار العمل القانوني، الذي يشكّل اليوم حاجة ملحة، بعيد المنال أيضاً.من الضروري أن تقر المفوضية الأوروبية أن للقيم التي تبناها الاتحاد الأوروبي في المادة الثانية من معاهدته خصائص دستورية مميزة، لذلك عليها أن تفرّق بين المسائل «الدستورية» المرتبطة بالمادة الثانية والمسائل «العادية» المتعلقة بقانون الاتحاد الأوروبي، وأن تطور طريقة تفكير دستورية محسّنة تشدد على أهمية تقيد الدول الأعضاء بقيم الاتحاد الأوروبي، وبالتالي تطبيقها إذا دعت الحاجة. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي أن تنشئ، من خلال التدابير التي تُتخذ عند انتهاك هذه القيم، نصوصاً قانونية تسمح لمحكم العدل في الاتحاد الأوروبي تقديم تفسير للمعاهدات التي توفّر حماية محسّنة للقيم الأساسية.من غير المرجّح أن تعود الدول الأعضاء المارقة إلى الالتزام بالمادة الثانية من دون ممارسة الضغط على النخب الوطنية التي تزداد استبداداً وتبديل حساباتها السياسية حول الكلفة والفائدة، ويُعتبر اليوم اقتراح فرض الالتزام بحكم القانون كشرط للحصول على التمويل من الاتحاد الأوروبي المبادرة الحالية الوحيدة التي تؤمن رابطاً سياسياً مع هذه المشكلة وتتيح ممارسة تأثير سياسي كبير فيها. أما معظم الانتقادات عن طابع هذا الاقتراح التمييزي المزعوم، فمن الممكن دحضها بسهولة، فضلاً عن أن هذا الاقتراح يناسب خصوصاً الوقائع السياسية لأزمة حكم القانون. يجب أن تظل هذه المبادرة في واجهة المسائل السياسية وعرضها خلال المفاوضات الحالية بشأن إطار العمل المالي المتعدد السنوات من دون أي تراجع.بالإضافة إلى ذلك، من الضروري الإقرار بطابع شرط حكم القانون المكمل والأخذ في الاعتبار الاقتراحات المطروحة راهناً عن هدف قيم المادة الثانية وآلية مراقبة تطبيقها الشاملة. لا يقتصر ما يحققه إنشاء آلية مماثلة على إلغاء الاعتراض الأساسي على هذا الشرط، ألا وهو غياب المقاييس التي يستند إليها، بل يخفف أيضاً العبء الملقى على كاهل المفوضية الأوروبية، بما أنها مسؤولة راهناً عن مراقبة الالتزام بهذه القيم وتطبيقها. أخيراً وليس آخراً، يشكل فرض شرط حكم القانون بالتزامن مع إنشاء آلية مراقبة شاملة للمادة الثانية تسوية حقيقية بين المصالح المتضاربة لمؤسسات الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء المختلفة.ويقف الاتحاد الأوروبي عند مفترق طرق، ونظراً إلى التجزؤ السياسي المتفاقم في البرلمان الأوروبي وتقدّم القوى المنادية بالسيادة، قد نميل إلى مواصلة تجاهل الاختلافات بشأن الانتهاك الشامل للديمقراطية وحكم القانون بغية التمكن من عقد التسويات الملحة في المجالات الأخرى. قد تؤدي هذه المناورة إلى نتائج عملية على الأمد القصير، إلا أنها لن تحقق أي أهداف على الأمد الطويل سوى إضعاف التكامل الأوروبي وتعزيز عدم استقراره. ولكن لا يمكن لأي اتحاد أوروبي أن يقوم من دون مبادئ سياسية أساسية. إذاً، يجب أن تكف مؤسسات الاتحاد الأوروبي عن المواربة وتدافع مباشرةً عن القيم الأوروبية من أجل تحقيق تكامل أوروبي فاعل حقاً.
على مؤسسات الاتحاد الأوروبي أن تكفّ عن المواربة وتدافع مباشرةً عن القيم الأوروبية لتحقيق تكامل أوروبي فاعل