ما قل ودل: التظاهر حق دستوري حصين من الإلغاء بتشريع أو بحكم قضائي
فساد الاستدلال بحكم محكمة التمييز الصادر في 14 مارس الجاري، إعمالا للمادة الأولى من قانون إنشائها، من شأنه أن يطمئن الجميع إلى فساد الظن بأن حكمها سالف الذكر يؤدي إلى المساس بحق التظاهر أو الانتقاص منه.
من الخطأ الظن أن الحكم الذي أصدرته محكمة التمييز بجلسة 14 مارس الجاري في الطعن رقم 667 لسنة 2019 قد ألغى الحق الدستوري في التجمع (التظاهر) الذي كفله الدستور في المادة (44)، وقد قضت المحكمة الدستورية بأن ما عهدت به هذه المادة إلى المشرع من سن الشروط والأوضاع التي أباحت بها الاجتماعات العامة والمواكب والتجمعات العامة، لا ينبغي أن يتضمن إخلالا بالحق الدستوري أو انتقاصا منه أو الخروج عليه.وهو ما أسست عليه المحكمة الدستورية في هذا الحكم قضاءها بعدم دستورية المادتين (4 و16) من قانون التجمعات العامة، فيما نصت عليه المادة (4) من عدم جواز عقد الاجتماعات العامة وتنظيمه من دون الحصول على ترخيص بذلك من السلطة المختصة، وحظر الدعوة إلى هذا الاجتماع أو الإعلان عنه قبل الحصول على هذا الترخيص.وفيما نصت عليه المادة (16) من تقرير عقوبة جزائية على مخالفة حكم المادة (4) من هذا القانون، لمخالفة المادتين المذكورتين لأحكام المادة (44) من الدستور فيما تنص عليه في فقرتها الأولى من أن للأفراد حق الاجتماع دون حاجة إلى إذن أو إخطار سابق.
كما تنص فقرتها الثانية على أن الاجتماعات العامة والمواكب والتجمعات مباحة وفقا للشروط والأوضاع التي يبينها القانون، على أن تكون أغراض الاجتماع ووسائله سلمية ولا تنافي الآداب.(الحكم الصادر من المحكمة الدستورية بجلسة أول مايو سنة 2006 في الطعن رقم 1 لسنة 2015 ق) وهو ما يطرح سؤالا هو: كيف يستعصي على القانون المساس بحق الاجتماع أو الانتقاص منه، ولا يستعصي ذلك على أحكام القضاء؟ سؤال مشروع نحاول الإجابة عنه في هذا المقال وما يليه لاستجلاء اليقين فيما هو محل ظن البعض بأن الحكم الصادر من محكمة التمييز سالف الذكر قد ألغى حق التجمع أو التظاهر، وهو ما ننفيه تماما ونسوق للتدليل على ذلك حقيقتين هما:الأولى: أن حجية حكم التمييز حجية نسبيةفالأحكام الصادرة من محكمة التمييز النهائية والباتة هي عنوان الحقيقة فيما قضت به، إلا أن حجيتها هي حجية نسبية تقتصر على الخصومة محل الطعن المقام أمامها، فهي ملزمة لأطراف هذه الخصومة وحدهم، وفي موضوعها والسبب الذي قام عليها الموضوع.ولا يمنع ذلك من أن تكون لأحكام التمييز قيمة أدبية بالنسبة إلى سائر المحاكم في غير ذلك من منازعات، إلا أنها لا تلتزم بالمبدأ الذي قررته المحكمة في حكمها القاضي بإقصاء أحد المرشحين في الانتخابات التكميلية في الدائرة الثالثة سالفة الذكر، بما خلعته على المرشح من ارتكابه جرماً مخلا بالشرف والأمانة، خاصة أن المحكمة فيما خلعته عليه من هذا الوصف إنما كانت تتناول مجموعة من الأفعال صدر بإدانة المرشح فيها حكم محكمة التمييز بجلستها المعقودة بتاريخ 16/ 2/ 2017 في القضية رقم 73 لسنة 2012 جنايات عن تهمة الاشتراك في مظاهرة عامة غير مرخصة، ومقاومة موظف أثناء تأدية وظيفته بالقوة والعنف، وإهانة موظف أثناء تأديته وظيفته وسبه بالقول إو بالإشارة والدعوة إلى تنظيم مظاهرة عامة دون الحصول على ترخيص والامتناع عن فض مظاهرة عامة بعد صدور أمر بذلك وإتلاف مرافق عامة. فالتظاهر وحده لم يكن محل هذا الوصف، بل بسبب ما صاحبه من أعمال عنف ومقاومة الموظف أثناء تأدية وظيفته وإتلاف مرافق عامة، مع تحفظنا أيضاً على اعتبار قضاء المحكمة باعتبار هذه الأعمال المصاحبة للتظاهر جرماً مخلا بالشرف والأمانة يحرم المواطن من حقوقه السياسية.الثانية: فساد الاستدلال بحكم «التمييز» ونضيف أيضا في تقدير ما انتهى إليه حكم التمييز في السباق الانتخابي، فساد استدلاله، بأن الحكم الصادر بإدانة المرشح الذي أسس عليه الحكم قضاءه قد صدر بعقوبة جناية، وأنه لم يرد إلى المرشح اعتباره.لذلك يكون الحكم قد شابه فساد الاستدلال بهذين الأمرين على النحو التالي:أولهما أن الحكم الصادر بإدانته قضى بحبسه لمدة سنتين فقط، فهي عقوبة جنحة لا ترقى إلى عقوبة الجناية لمخالفة ذلك لأحكام المادة (3) من قانون الجزاء التي تعرف عقوبة الجناية بأنها الحبس لمدة ثلاث سنوات.وقد استتبع وصف الحكم العقوبة سالفة الذكر بأنها عقوبة جناية خطأ آخر وقع فيه الحكم، وهو مخالفة المادة (2) من قانون انتخاب أعضاء مجلس الأمة، ومخالفة حكم المحكمة الدستورية القاضي بأن حق الترشح للانتخاب هو حق أصيل لا يتمتع به إلا من كان مستوفيا لشروطه، ومن بينها ألا يكون محكوما عليه بعقوبة جناية، وهي الحبس مدة تزيد على ثلاث سنوات (جلسة 22/ 12/ 2012) طعن رقم 42 لسنة 2012 وجلسة 26/ 11/ 2014 طعن رقم 5 لسنة 2014).ثانيهما فساد الاستدلال بعدم رد اعتبار المرشح في الجريمة التي أدين فيها، لأن الحكم القاضي بإدانته قضى بوقف تنفيذ العقوبة وهو حكم لا يخل باعتبار المحكوم عليه، حتى يتم رد هذا الاعتبار، إعمالا لأحكام المادة 246 من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية التي تشترط لرد اعتبار المحكوم عليه أن تكون العقوبة المحكومة بها قد نفذت أو سقطت بالتقادم، وبمفهوم المخالفة لهذا الحكم، فإنه لا رد اعتبار لمن لم يمس الحكم بالإدانة اعتباره، لصدور الحكم بوقف تنفيذ العقوبة.ولذلك فإن فساد الاستدلال بحكم محكمة التمييز الصادر في 14 مارس الجاري للأسباب المتقدمة، فضلا عن التزام سائر المحاكم أصلاً بالأحكام التي أصدرتها المحكمة الدستورية، إعمالا للمادة الأولى من قانون إنشائها، من شأنه أن يطمئن الجميع إلى فساد الظن بأن حكم محكمة التمييز سالف الذكر يؤدي إلى المساس بحق التظاهر أو الانتقاص منه.
كيف يستعصي على القانون المساس بحق الاجتماع أو الانتقاص منه، ولا يستعصي ذلك على أحكام القضاء؟