التصريحات التي أدلى بها رئيس المحكمة الكلية المستشار د. عادل بورسلي، في لقاء جريدة الجريدة، تتضمن جُملة من القضايا المهمة، لكني أريد تسليط الضوء على قضيتين، هما: مخاصمة القضاة، وإنشاء مجلس الدولة، فهما تستحقان التحليل والبحث، وذلك لكونها تصريحات صادرة من رئيس محكمة وعضو مجلس قضاء ومن قاضٍ خاض العديد من تجارب الفصل القضائي. وبشأن ضرورة سنِّ تشريع يسمح بمخاصمة القضاة، تفعيلا لفكرة محاسبة القضاة والمستشارين على الأحكام الصادرة منهم، والتي يطالب بها البعض، فإن هذه القضية تجد تحفظا قضائيا نحوها، لارتباطها بمبدأ محاسبة القاضي، وهو المبدأ الذي قد يُشعر القاضي بتعارضه مع المبدأ الدستوري، بأنه لا سلطان على القاضي بقضائه، وبأن الخطأ إذا ما صدر بحق القاضي فمرده الدولة وليس على القاضي، لكونه يمارس عملا فنيا تحت رحمة القسم ورقابة المحاكم العليا.
إلا أنني أرى أن فكرة مخاصة القضاة يجب أن تكون بقانون المرافعات، وليست بقانون تنظيم القضاء، لكون أمر تنظيمها يجب أن يكون منصباً على سلوك القاضي في الدعوى، وليس على حياته ووظيفته وحقوقه. ومن ثم، فإن الأمر يدعو إلى إمكانية التوسع في حالات رد القضاة وعدم صلاحيتهم وإمكان مساءلتهم عن الأخطاء المترتبة لأعمالهم، شريطة ثبوت الضرر، لا افتراضه، ووفق آلية إجرائية محددة، ودون مغالاة في رسوم رفعها، وعلى أن يكون أداء التعويض من الدولة، لا من جيب القاضي نفسه، وأن يؤخذ بالاعتبار أن تكرار ثبوت الأحكام بحق القاضي بالخطأ الفني يستلزم رفع تقرير من جهاز التفتيش القضائي إلى مجلس القضاء، للنظر في إنهاء عمله، لعدم صلاحيته فنيا لممارسة العمل القضائي.القضية الأخرى التي تستحق الوقوف عندها في حديث المستشار بورسلي، هي إنشاء مجلس الدولة، إعمالا لأحكام المادة 171 من الدستور، لأن ذلك المجلس من شأنه أن يوقف حالة التضارب والتناقض في الأحكام القضائية الصادرة من بعض دوائر محكمة التمييز، وعلى أن يكون إنشاء مجلس الدولة من رحم القضاء فقط، حفاظا على شخصية القاضي.ورغم تحفظ السُّلطة القضائية على مشروع قانون مجلس الدولة الذي قدمته الحكومة قبل حوالي ثلاثة أعوام، تفعيلا لأحكام الدستور، استنادا لما تضمنه المشروع من أحكام تتعارض مع طبيعة عمل مجلس الدولة، ولإضعافه مبدأ استقلالية القضاء، خصوصا أن أحكام مواده تقرر أن أول تشكيل لمجلس الدولة يسمح بتعيين مستشار بإدارة الفتوى والتشريع لرئاسته، وأن رئيس المجلس سيكون، بحكم منصبه، رئيسا للمحكمة الإدارية العليا التي ستضع المبادئ على جميع المحاكم الإدارية، فإن فكرة إقرار مجلس الدولة حاليا في الوضع الذي أشار إليه المستشار عادل بورسلي، بأن يكون تشكيل المجلس بالكامل من رحم القضاء، قد تثير أيضا مسألة مهمة جدا تستدعي البحث، مع تمسكي بتفعيل أحكام المادة 171 بإنشاء مجلس الدولة، وهي أن إنشاء مجلس الدولة يستدعي إنشاء جهازين؛ الأول: قضائي، وهو بالإمكان تحقيقه بتعيين جميع قضاة الدوائر الإدارية في محاكم الكلية والاستئناف والتمييز، مع ضرورة تخصصهم للعمل في هذه المحاكم دون ندبهم للعمل بدوائر أخرى.بينما الجهاز الثاني، وهو قسم الإفتاء والرأي التابع لمجلس الدولة، فإنه يستلزم التفكير بشغره؛ إما بإعادة تعيين عدد من مستشاري إدارة الفتوى والتشريع كقضاة، وهو أمر يسمح به قانون تنظيم القضاء ممن يحظون بالملكة والتأهيل الفني للعمل في هذا القسم، أو الاستعانة بفكرة إعارة مستشارين من مجلس الدولة المصري، لإمكانية تفعيل عمل هذا القسم مؤقتا إلى حين التوسع في تعيين القضاة الكويتيين من بوابة النيابة العامة.
مقالات
مرافعة : «مخاصمة القضاة» و«مجلس الدولة»
26-03-2019