التقاضي أمام «فحص الطعون»
القضاء إحدى السلطات الثلاث في الدولة، والمحامون هم أكثر الجهات ارتباطا بالجهاز القضائي بشكل مستمر، بحكم طبيعة عملهم، وعادة ما يواجه المحامون بعض الصعوبات والعقبات، إما من خلال قرارات إدارية قد تحقق مصلحة عامة، ولكن في بعض الأحيان تكون مخالفة للقانون، أو من خلال طبيعة الإجراءات الإدارية المتبعة في الجهاز المعاون للقضاء، ونعني به تحديدا إدارات الكتاب في المحاكم المختلفة.ولا أدل على ذلك من تعديل مدة الطعن في «التمييز»، سواء في الأحكام الجنائية أو المدنية من ثلاثين يوماً إلى ستين يوما، لمواجهة ما كشف عنه الواقع العملي من تأخر في طباعة الأحكام، قد يمتد أحيانا أكثر من نصف المدة المتاحة للطعن في التمييز، وهو الأمر الذي كان محل امتعاض من المحامين، لما له من أثر سلبي على أداء المحامي لواجبه المهني، الأمر الذي أبدى معه المحامون تذمرهم منه بشكل علني، وطالبوا بإيجاد الحلول له، ونظرا لاقتناع جميع السلطات بهذا الواقع عدل قانون الطعن بالتمييز، وكان الأجدر إيجاد حلول إدارية وليست تشريعية.تلك المقدمة تمهيد لما نود طرحه من ملاحظات تعترض طريق المحامين، وذلك من واقع تجربة عملية كادت تفقدنا الحق في إجراء قانوني هام، ولنبدأ بعرض الواقعة ثم بعد ذلك نبين الاقتراح الذي نطالب به، ويلي ذلك بيان القرار المخالف للقانون الذي يجب وقف العمل به فورا.
الواقعة هي أنه بمناسبة إحدى الدعاوى التي نترافع بها اعتقدنا أن لائحة تنفيذية لأحد القوانين تشوبها مخالفة دستورية، لذا دفعنا أمام محكمة الاستئناف بعدم دستورية تلك اللائحة، وعند صدور الحكم قدرت محكمة الاستئناف عدم جدية الدفع.ولما كانت المادة الرابعة من قانون إنشاء المحكمة الدستورية تقضي بأن الطعن على الحكم الذي قضى بعدم جدية الدفع بعدم الدستورية يكون خلال شهر من صدور الحكم – وهو بالمناسبة نص معيب لأن الأصل في المواعيد أن تحسب بالأيام – وبسبب مدة طباعة الحكم لم نتسلم حكم محكمة الاستئناف إلا بعد مرور قرابة ثلاثة أسابيع.وعند إعدادنا لصحيفة الطعن على الحكم أمام لجنة فحص الطعون بالمحكمة الدستورية، ونظرا لأن المادة 7 من لائحة عمل المحكمة الدستورية تشترط أن ترفق بالطعن صورة رسمية معتمدة من الحكم، وهنا قاربت المدة القانونية على الانقضاء، ولم يتبق إلا يومان على نهاية الميعاد، تبين أن ملف الدعوى لا يزال بحوزة أمين سر الجلسة، وأن صورة الحكم المعتمدة لا يمكن الحصول عليها إلا بعد وصول الملف إلى قسم الحفظ.وبمتابعة حثيثة، وطلب، وربما حدة في النقاش مع بعض الموظفين، الذين لا يدركون أهمية الطلب أحيانا، تمكنا من إيصال الملف الى قسم الحفظ قبل يوم واحد من نهاية المدة المقررة لتقديم الطعن على الحكم.ومن ذلك يتبين أن مدة ثلاثين يوماً للطعن أمام لجنة فحص الطعون في المحكمة الدستورية أصبحت غير كافية، ويجب أن يعدل قانون إنشاء المحكمة الدستورية، وتحديدا المادة الرابعة لتصبح المدة ستين يوما أسوة بالطعن بالتمييز وذلك للأسباب التالية. أولا: انه بعد تعديل قانون الطعن بالتمييز ستتجاوز مدة طباعة حكم الاستئناف مدة الثلاثين يوما، وهذا أمر سيكشف عنه الواقع العملي بكل تأكيد، ولن يتمكن المتقاضون من استلام نسخة معتمدة من الحكم خلال ثلاثين يوما.والسبب الثاني هو أمر منطقي، إذ من غير المعقول أن تكون مدة الطعن بالتمييز ستين يوماً، ومدة الطعن بعدم الدستورية ثلاثين يوماً فقط، علما أن الطعون الدستورية تحتاج الى دراسة متأنية بشكل أوسع مدى منه بالنسبة للطعن بالتمييز. وبالعودة للواقعة التي نحن بصددها لم يتبق الا يوم واحد من انقضاء مدة الطعن، ولم نتسلم بعد نسخة معتمدة من الحكم، وبعد اعدادنا للطعن طلبنا الحصول على النسخة، وكانت المفاجأة أن النسخة لا تسلم لأطراف الدعوى إلا بعد أن يقدم من يطلب هذه النسخة شهادة بعدم وجود قيود مالية، ولأن المحكوم عليه في هذه الدعوى قيدت بحقه جنحة مرور غرامتها عشرة دنانير تعذر إصدار هذه الشهادة من الإدارة العامة للتنفيذ، إلا بعد مراجعة «الداخلية» لسداد هذا المبلغ.وتطلب ذلك استنفار كل الجهود للتغلب على هذه العقبة، وهي مخالفة للقانون، ولو لم نتمكن من الحصول على هذه الشهادة في ذلك اليوم لخسر الموكل حقا اجرائيا مهما. إن امتناع إدارة الكتاب عن تسليم كل طرف من أطراف الحكم نسخة معتمدة منه مخالف للقانون، لأنه وإن كانت قوة الحكم تستمد من توقيع رئيس الهيئة التي أصدرته إلا أن الختم الرسمي للحكم هو الذي يدل على أنه ورقة رسمية، وقانون المرافعات في المادة 115 أجاز إعطاء نسخة من الحكم لأي شخص حتى إذا لم يكن طرفا في الدعوى.ومن باب أولى يحق لأي طرف في الدعوى أن يحصل على نسخة من الحكم، والدليل على ذلك نص المادة 19 من قانون الرسوم القضائية، التي قررت أن أطراف الحكم غير ملزمين بدفع رسم استلام نسخة من الحكم، ويلتزمون بسداد الرسم إذا طلبوا نسخا إضافية منه. من ذلك يثبت أن تسلُّم نسخة معتمدة من الحكم حق لا يجوز بحال حرمان المتقاضين منه، وهو حق متفرع من حق التقاضي، إذ من غير المنطقي أن يكون الطرف بالخصومة محروما من الحصول على نسخة الحكم التي تحدد موقفه القانوني، وتمكنه من استخدامها للحفاظ على حقوقه لوجود واجبات أخرى لم يقم بها لا ترتبط بهذه الدعوى بصلة، وهو الأمر الذي يخل بحق التقاضي الذي جوهره حق الفرد في اللجوء للقضاء، والحصول على حكم، ومنع المتقاضي من الحصول على دليل يثبت هذا الحكم هو إفراغ لحق التقاضي من جوهره. لذا يجب العمل على تعديل المادة 4 من قانون المحكمة الدستورية، كما يجب على المعنيين في وزارة العدل وبشكل فوري إلغاء القرار الذي يوجب تقديم شهادة بعدم وجود قيود مالية لمنح المتقاضي صورة معتمدة من الحكم، لمخالفة هذا القرار القانون، ولأنه يعرض وزارة العدل لدفع تعويضات لكل متضرر من هذا القرار.