منتدى الإعلام العربي يفتتح أعماله في دبي

محمد بن راشد: للإعلام دور في تجاوز التحديات الراهنة وتعظيم الفرص المستقبلية

نشر في 28-03-2019
آخر تحديث 28-03-2019 | 00:00
بحضور نحو 3000 من قيادات العمل الإعلامي العربي والعالمي والكتّاب والمفكرين ورؤساء تحرير الصحف الإماراتية والعربية والقيادات التنفيذية لأهم الشبكات التلفزيونية والإذاعية في المنطقة العربية والأكاديميين المعنيين بالشأن الإعلامي، افتتحت أمس الدورة الـ18 لمنتدى الإعلام العربي في دبي.
أكد نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، أن الإعلام يتحمل مسؤولية أساسية في تعزيز قدرة المنطقة على التعاطي بشكل إيجابي مع التحديات الراهنة التي ألمّت بالمنطقة، واكتشاف الحلول التي يمكن من خلالها تخطي تحديات عرقلت مسيرة التطوير والتنمية في المنطقة، بهدف العبور إلى مرحلة جديدة يكون التركيز فيها منصبّاً على بناء الإنسان وتزويده بالأدوات التي تعينه على إنجاز ما تصبو إليه شعوبنا العربية من إنجازات ونجاحات.

جاء ذلك خلال لقاء بن راشد أمس عدداً من القيادات الإعلامية العربية والعالمية المشاركة في أعمال الدورة الثامنة عشرة لمنتدى الإعلام العربي في دبي، وذلك على هامش أول أيام المنتدى، حيث أعرب عن تقديره لدور الإعلام الذي لا تلبث أهميته أن تأخذ في الزيادة بارتفاع منحنى التحديات التي تمر بها المنطقة والعالم من حولنا، من جراء المتغيرات السياسية والأيديولوجية العديدة التي اجتاحت عالمنا خلال السنوات القليلة الماضية، وكان لغياب الرسالة الإعلامية المتوازنة أثره في إذكائها وتوسيع دائرة تبعاتها السلبية.

ولفت بن راشد إلى القدرة الكبيرة التي يمتلكها الإعلام في التأثير، وقال سموه: "الإعلام يملك قوة الكلمة، وحسن توظيفها لإحداث أثر إيجابي يلمسه المجتمع ويعيشه، وهو واجب وأمانة، والكلمة الطيبة غرس صالح ينمو ويزدهر وينعم الناس بظلاله، ولا تكتمل رسالة الإعلام إلا بصدق خطابه، ونزاهة غاياته، وترفّعه عن الأهواء، وانحيازه لمصلحة الناس".

وتحدّث عن دور الإعلام في التصدي لخطاب الكراهية والفكر المضلل الذي يهدف لتحقيق أغراض خبيثة لا تخدم سوى في إلهاء شعوب المنطقة عن المستقبل وإعاقة وصولها إلى مواقع متميزة فيه، وقال بن راشد: "الخطاب المتوازن والأفكار البناءة والانفتاح الواعي على ثقافات العالم سلاح الإعلام في مواجهة الفكر المضلل والمغالاة والتطرف، الإعلام شريك رئيس في حماية شباب العرب وبناء عقولهم وتحفيز طاقاتهم وتمكينهم من تكوين قناعات قائمة على الحقائق بعيدة عن الأهواء الذاتية أو الغايات الشخصية".

وتطرّق إلى التطور التكنولوجي السريع الذي يشهده العالم مع البدايات الأولى لعصر الثورة الصناعية الرابعة، منوهاً سموه بما أسفر عنه هذا التطور من تقنيات حديثة، مثل الذكاء الاصطناعي والبلوك تشين وإنترنت الأشياء، وغيرها من التطبيقات والتقنيات التي سيكون لها أثر كبير في تبديل شكل الحياة كما نعرفها الآن، ولفت سموه إلى ضرورة امتلاك الإعلام العربي لزمام التكنولوجيا ورفدها بالعنصر البشري المؤهل القادر على الاستفادة منها في الارتقاء بكفاءته وإنتاجه.

ودعا مؤسسات الإعلام العربي إلى الاهتمام بالكادر البشري، وألا يكون التركيز منصبّاً فقط على امتلاك التكنولوجيا المتطورة، التي تبقى دائما في حاجة إلى العقل الواعي والمؤهل الذي يوجهها ويضعها موضع الاستفادة المُثلى.

وقال بن راشد: "التكنولوجيا عنصر مهم، لكن الأهم الطاقات المبدعة القادرة على حُسن توظيفها لخدمة الأهداف الاستراتيجية وتعزيز وصول الرسالة الإعلامية إلى المُتلقّي، هناك ضرورة لاستثمار مؤسسات الإعلام في إعداد الكوادر الشابة وتمكينها وتزويدها بالمعارف اللازمة وتمكينهم من تولي مسؤولية تطوير إعلام المنطقة".

مدير «فرانس برس»

وخلال الجلسة الرئيسة لمنتدى الإعلام العربي 2019، أكد رئيس مجلس الإدارة الرئيس التنفيذي لوكالة الصحافة الفرنسية، فابريس فريس، أن دور وكالات الأنباء كمصدر أساسي للمعلومات الموثوقة بات أكثر أهمية في الوقت الحالي في ظل الموجات المتلاحقة للمعلومات المضللة والأكاذيب التي تنطلق غالبا من منصات الوسائل التواصل الاجتماعي.

وأضاف فريس أنه على الرغم من فقدان الميزة النسبية الكبيرة المتمثلة في احتكار وكالات الأنباء لوصف "المصدر الأول والوحيد للأخبار" على مدى قرن ونصف القرن من الزمان، وتنازلها عنه مضطرة لشركات التقنية الكبرى، فإنها لم تفقد الكثير جراء هذه المنافسة الشرسة، وذلك بفضل ميزة الموثوقية التي اكتسبتها وكالات الأنباء بفضل الآلية المتكاملة التي تتبعها للتحقق من الأخبار.

وأرجع فريس الأهمية المتزايدة لعنصر الموثوقية إلى موجات المد المتزايدة من الأخبار المزيفة والمضللة، والتي أرخت سدولها لتغطي وجه الحقيقة في أرجاء العالم كافة، حتى باتت وكأنها منظومة إعلامية متكاملة تعمل في الظل ضد الإعلام النزيه، مما حدا بوكالة الصحافة الفرنسية التي تعد أقدم وكالة أنباء في العالم - إذ أسست في باريس خلال عام 1835- بوضع محاربة الأخبار المزيفة ضمن أولوياتها وفي قلب أهدافها الاستراتيجية، لافتا الى أن انتشار هذه الأخبار، ولم تتضح تداعياتها السلبية بعد على النحو الأكمل، بل ظهر منها ما يمكن أن نطلق عليه "قمة جبل الجليد".

وأشار فريس إلى أن حجم التحديات المرتبطة بعملية التحقق من المصداقية كبير جداً، لذلك عقدت وكالة الصحافة الفرنسية شراكة استراتيجية مع "فيسبوك"، للتأكد من مصداقية المحتوى المنشور على موقع التواصل الاجتماعي الشهير في 20 دولة وبأربع لغات هي: الإنكليزية والفرنسية والإسبانية والبرتغالية.

وانطلاقاً من هذه النقطة، أوضح الرئيس التنفيذي لوكالة الصحافة الفرنسية أن دور وكالات الأنباء على وسائل ومنصات التواصل الاجتماعي مهم ولا غنى عنه، ما يعد أرضاً جديدة وفضاءً رحباً للولوج بقوة في طوفان الإعلام الرقمي، والقيام بدور فاعل لضبط إيقاع ما بات يُعرف باسم إعلام الجماهير، منوها بقدرة الوكالات الصحافية الرائدة على تقديم دعم قوي لكبريات شركات تقنية المعلومات في هذا المجال.

وعن الضغوط المالية التي تواجه وكالات الأنباء، والتي ترجع في الأساس إلى كبر حجم العمل، قال فابريس إن الوكالة الصحافة الفرنسية على سبيل المثال تنتج نحو 5000 آلاف نص، و3000 صورة، و250 مقطع فيديو في اليوم، وأكثر من 600 ساعة من التغطية الحية في الشهر، وهو ما يتطلب موارد مالية كبيرة، مشددا على أن الوكالة ونظرا لما تحظى به من شهرة كبيرة في مجال الصور الصحافية عالية الجودة تستثمر في الوقت الراهن في هذا المجال، إضافة إلى عوائد بيع مقاطع الفيديو.

وفي نهاية الجلسة، شدد رئيس مجلس الإدارة الرئيس التنفيذي لوكالة الصحافة الفرنسية على أن مستقبل وكالات الأنباء يكمن في مقدرتها على تبني آليات قوية ومتكاملة للتحقق من صحة الأخبار، كي تعزز موقعها الحالي كمصدر موثوق وعالي المصداقية بين فيض كبير من المستخدمين، علاوة على الاستثمار في نشر الثقافة الإعلامية بين الشباب والطلاب، لاسيما عبر تطوير الشراكة مع المؤسسات التربوية والتعليمية.

المناع

وضمن الجلسات الصباحية لليوم الأول لمنتدى الإعلام العربي، استعرض الأكاديمي والمحلل السياسي الكويتي، د. عايد المناع، في جلسة بعنوان "خطاب التحريض"، الأشكال المتعددة لهذه الظاهرة التي وصفها بالخطيرة، بما في ذلك التحريض السياسي والديني والعرقي التي يستخدمها البعض، والمتطرفون بشكل خاص، لتحقيق أغراض وأهداف خاصة مشبوهة تخدم مصالحهم الذاتية، أو تروج لأجندات خاصة بغايات خبيثة لا تهدف إلا للدمار والخراب. واعتبر المناع أن ظاهرة التحريض باتت تمثل تهديدا حقيقيا وخطورة شديدة ومؤرقة على المجتمعات العربية، مشيرا إلى أن خطاب التحريض والكراهية اتّسع وتشعّب وانتشر بشكل كبير، وأصبح سببا رئيسا للعديد من العمليات الإرهابية والتفجيرات الانتحارية التي يروح ضحيتها عشرات الأبرياء، بما في ذلك الأطفال والنساء وكبار السن.

وفي حديثه أمام لفيف من قيادات العمل الإعلامي العربي والعالمي، قال المناع إن التحريض هو الأساس لخطاب الكراهية، وعرّف التحريض بأنه الحث على القيام بقول أو فعل مضاد للآخر، ويكون موجهاً ضد مجموعة أو طائفة معيّنة للنيل منها وإضعافها، مضيفا أن هناك نوعين رئيسين من التحريض، خاص وعام. أما الخاص فهو الموجّه ضد فرد أو مجموعة، في حين أن التحريض العام هو الموجه ضد الأمة والمجتمع بشكل عام. وأكد أن التحريض بكل أنواعه؛ سواء السياسي والعرقي والديني، يؤدي إلى انتشار العنف بجميع أشكاله في المجتمع ضد مجموعة بعينها، موضحا أن ما حدث أخيرا في الاعتداء الإرهابي الغاشم المتمثل بمذبحة المسجدين في نيوزيلندا هو أوضح مثال على النتائج المدمرة لخطاب التحريض والكراهية.

وانتقل المناع للحديث عن نوع آخر من التحريض في المجتمعات الغربية ضد العمالة العربية، حيث أشار إلى التمييز الذي تتعرض له هذه العمالة، باعتبار أنها تساهم في زيادة معدلات البطالة بين الأوروبيين، مؤكدا أن خطاب الكراهية يتنافى مع كافة القيم الإنسانية للمجتمعات المتحضرة.

وتحدث عن التحريض الديني، وما ينتج عنه من عنف وإرهاب تحت ستار الدين، بهدف تحقيق أهداف سياسية، ضاربا مثالا على ذلك بتنظيم "داعش" المتطرف الذي استغل الدين لاستدراج الأشخاص، وخصوصا الشباب، للقيام بأعمال عنف وإرهاب بل وتدمير المجتمعات. واعتبر أن الحروب "الصليبية" نجمت أيضا عن التحريض الديني، حيث كان بعض قادتها يستخدمون ستار الدين مبررا لتلك الحرب.

ودعا المحلل الكويتي وسائل الإعلام العربية إلى وضع معايير وأسس دقيقة وواضحة لكشف وفضح ونبذ خطابات التحريض والكراهية والتمييز بكل أشكاله في جميع وسائل الإعلام العربي، وذلك للحد من ثقافة البُغض والعنف، ولبناء ثقافة جديدة تروّج للتوافق الوطني والترابط المجتمعي والولاء للوطن، وتدعم إعادة بناء القدرات العربية على أساس المواطنة واحترام القانون وإشاعة ثقافة التسامح وترسيخ دعائم الوحدة الوطنية.

فابريس فريس: وكالات الأنباء لم تعد المصدر الأول للأخبار لكنها الأكثر موثوقية

عايد المناع: خطاب التحريض والكراهية اتّسع وتشعّب وانتشر بشكل كبير وأصبح سببا رئيسا للعديد من العمليات الإرهابية
back to top