اعتدنا في دراسات الإرهاب والتطرف الحديث عن التعليم بأنه السلاح الأفضل والوسيلة الأنجح والأكثر فاعلية في مواجهة الأفكار المتطرفة، وعليه ظهر في مراحل عدة اهتمام بالبيئة التعليمية التي تشكل فيها العقل المتطرف، وهل يوجد في المناهج المقدمة ما هو محفز على ذلك أم لا؟ وشيئا فشيئا انخفضت تلك الاهتمامات خاصة مع ظهور جيل من القيادات الإرهابية والمتطرفة التي تلقت تعليمها في مؤسسات تعليمية بعيدة كل البعد عن التطرف في مناهجها، وتطور الأمر بعد ذلك وأصبحنا نتناول بالحديث سيطرة بعض التنظيمات الإرهابية على العملية التعليمية في بلدان بعينها، مثل تنظيم "داعش" في العراق وسورية، والمجموعات المتطرفة في جنوب شرق آسيا كـمدارس "بيسنترين" في جنوب جاوة وسومطرة وسولاوسي بإندونيسيا.
وعلى الرغم من ذلك ظلت تلك المدارس ذات تأثير محدود، ففي تقارير نشرت حول المدارس التابعة لـ"داعش" في سورية، أفادت أن أتباع التنظيم تجنبوا الحديث حول مسائل إيديولوجية وفلسفية في المراحل التعليمية التي اعتمدوا فيها على معلمين من المناطق نفسها توقفوا عن العمل بعد اندلاع الأزمة السورية، كما أن تلك المدارس– وفقاً للتقرير أيضاً- لم تشمل التدريب على العمل العسكري بداخلها، وهذا لا ينفي مطلقاً الأهداف المتطرفة من وراء ذلك، لكنها في الوقت نفسه لم تظهر بالصورة الفجة التي نتحدث عنها اليوم.فاليوم نحن بصدد تطور في دراسة الإرهاب والتطرف، فقد أصدرت حركة الشباب المجاهدين الصومالية بياناً تعلن فيه تخريج الدفعة الأولى وعددها 124 خريجا من "معهد الشريعة للتعليم العالي" وهو– وفقاً للبيان- معهد تابع للحركة الإرهابية يلتحق به الطلاب بعد مرحلة الدراسة الإعدادية لمدة خمس سنوات. البيان في متنه أشار إلى بعض الجزئيات المهمة، منها القول إن المعهد هو مرحلة تأهيلية للالتحاق بالجامعات الإسلامية، أي أن هناك مراحل تطويرية أخرى تتعلق بنهج الحركة الإرهابية في العملية التعليمية بالصومال، بالإضافة إلى أن البيان عمل بصورة واضحة على إيضاح سيطرة الحركة في الداخل الصومالي كما جاء في قوله: "تواصل حركة الشباب المجاهدين حفظ استقرار ورفاهية الأمة المسلمة في الصومال بالدفاع عنها والتصدي لعدوان الغزاة المحتلين، وأيضا بتوفير بيئة اجتماعية وفكرية متماسكة وبإنشاء مؤسسات ومراكز تعليمية تساهم بشكل فعال في تقدم وازدهار الأمة وحضارتها الإسلامية. وتسعى حركة الشباب المجاهدين من خلال هذه الجهود لتوفير خدمات التعليم والدراسة لجميع المسلمين في الصومال بهدف رفع مستوياتهم وتقوية مجتمعاتهم بالعلم والمعرفة، وبالتالي اكتشاف قدراتهم وعبقرياتهم الإسلامية والفكرية الحقيقية، وذلك وفق تعاليم القرآن العظيم والسنة النبوية". وحاول البيان أيضا التأكيد على موالاة القبائل بصورة متناهية للحركة في الداخل الصومالي بتشجيعهم وتسهيلهم لعملية بناء المؤسسات التعليمية وإداراتها في الولايات التي تسيطر عليها الحركة. رسائل البيان واضحة، أولها أن الحركة تستعرض القوة، وتشير إلى أنها متوغلة في الداخل الصومالي بدعم الأهالي لدرجة تسمح لها بإنشاء معاهد دينية تعليمية وتأهيل طلابي للمرحلة الجامعية، وثانيها وهو مرتبط بأولها التأكيد على أن الداخل الصومالي في مناطق السيطرة يقف حائط صد منيعا وقويا تجاه أي محاولات للتدخل للسيطرة على الحركة أو ردعها خاصة الضربات الأميركية، وثالثها حجم الولاء والتعاطي الإيجابي الفعال من الدارسين مع الحركة وأهدافها، وتعبيرهم عن أن مثل هذه المعاهد والاحتفالات والجوائز من شأنها التشجيع نحو المزيد.يلاحظ أيضا أن أثر الفكر القاعدي أيضا يظهر بصورة واضحة على لغة البيان وتحركات الحركة الإرهابية، بداية من مدة الدراسة التي وضعتها الحركة للتأهيل والتخرج، مروراً بالجوائز المالية المقدمة والتي تراعي في طياتها الوضع الاقتصادي لأبناء تلك القبائل ودورها في الولاء للحركات من عدمه، وصولاً إلى اتباع استراتيجية القاعدة نفسها في ضرورة الإعداد العلمي والشرعي لمنتسبي التنظيم. هل يسمح وضع الشباب باستعراض القوة؟ وما الهدف من وراء هذه الخطوة؟ تستمر حركة الشباب المجاهدين الصومالية في تهديداتها لدولتي "الصومال، وكينيا" مع ارتفاع في عدد العمليات الإرهابية وانخفاض عدد الضحايا على مدار العامين الماضيين، حيث ارتكبت الجماعة نحو (111) عملية إرهابية في 2018 أسفرت عن سقوط نحو (617) ضحية، في حين ارتكبت نحو (97) عملية إرهابية أسفرت عن سقوط نحو (1193) ضحية. فزيادة عدد العمليات الإرهابية مع انخفاض عدد الضحايا مؤشر على أن الحركة ربما تتعرض لمضايقات أمنية أكثر، تعوق قيامها بعمليات ذات أثر مرتفع، أو ربما تفتقد للعنصر المالي المساهم في القيام بعمليات أكثر فاعلية، مما يفيد بأن هذه الخطوة هي محاولة واهية للحديث عن قوة وسيطرة كاملة مزعومة من الحركة.من ناحية الهدف، فالمتابع لتحركات الشباب المجاهدين الإرهابية يرى أنها تسعي للتنسيق الكامل مع تنظيم القاعدة ومحاباة زعيمها الإرهابي أيمن الظواهري والحصول على تمويل من التنظيم الأم، ومن دلائل ذلك عملية نيروبي التي اختارت لها الحركة الإرهابية عنواناً "القدس لن تهوّد" وأكدت أنها استجابة لتعليمات الظواهري، الأمر الذي يسمح لها بزيادة نشاطها وزيادة أثر العمليات حال حدوث ذلك.وفي سبيل تحقيق ذلك الهدف والمحاباة الواضحة لزعيم القاعدة الظواهري، جاءت خطوة تخريج الدفعة الأولى من معهد الشريعة للتعليم العالي الذي لم تظهر حوله أي مؤشرات جدية تفيد تأسيسه إلا بإصدار البيان وإعلان تخريج 124 خريجاً بدرجة إرهابي.*كاتب وباحث سياسي مصري متخصص في شؤون الإسلام السياسي والجماعات المتطرفة
مقالات
خريج بدرجة إرهابي!
28-03-2019