على هامش حكم التمييز
لم يكن حكم محكمة التمييز الصادر في 14 مارس الجاري في شأن الجريمة المخلة بالشرف والأمانة، والتوسع في هذا التعريف ليغم على البعض الظن بأن التظاهر أصبح جرماً مخلا بالشرف والأمانة، وهو ما نفيناه في مقال الأحد الماضي تحت عنوان "التظاهر حصين دستوريا من الإلغاء أو الانتقاص بنص تشريعي أو حكم قضائي"، وقد كان من مؤدى هذا الحكم إقصاء أحد المرشحين من الانتخابات التكميلية في الدائرة الثالثة.واستكمالاً لما بدأناه، فقد يكون ضروريا أن نلقي الضوء على حق التجمع وحق الاقتراع العام باعتبارهما من دعامات نظام الحكم الديمقراطي، وفقا لأحكام القضاء الدستوري في الكويت وفى مصر، وذلك على النحو التالي: حق التجمع وحرية التعبيرربط حكم صادر من المحكمة الدستورية العليا في مصر بتاريخ 5/ 4/ 1995 في الطعن رقم 6 لسنة 15ق، بين حق التجمع باعتباره حقاً دستورياً أصيلاً، وبين حرية التعبير، لأن الدستور لا يرمي من وراء ضمان هذه الحرية أن تكون مدخلاً إلى توافق عام، بل تغيّا بالنصوص التي تقررها أن تكون كافلة لتعدد الآراء، من خلال قنواته المختلفة، ومنها التجمعات، ليكون ضوء الحقيقة مناراً لكل عمل ومحدداً لكل اتجاه. حق التجمع وحق الانتخابوربط الحكم المذكور كذلك بين حق التجمع وحق الانتخاب، باعتبار أن تجمعات الناخبين في الحملات الانتخابية، هو الإطار الذي يحددون من خلاله أولوياتهم، وهو القاعدة التي يفاضلون من خلالها بين المرشحين، لاختيار مَن يكون شريكاً معهم في أهدافهم قادراً على النضال من أجل تحقيقها.حق التجمع والتفكير الجماعيكما اعتبر الحكم المذكور حق التجمع صورة حية لشكل من أشكال التفكير الجماعي، يتصل اتصالاً وثيقاً بحرية التعبير وتداول الآراء بين مجموعة من الأفراد يوظفون في التجمع خبراتهم، ويطرحون آمالهم، ومصاعبهم، ويتناولون بالحوار ما يؤرقهم.واعتبر الحكم أن الانعزال عن الآخرين، يؤدي إلى استعلاء وجهة النظر الفردية وتسلطها.الحقوق والحريات... حقوق طبيعيةوجاء الحكم الذي أصدرته المحكمة الدستورية في الكويت بتاريخ أول مايو سنة 2006 بعدم دستورية بعض نصوص قانون التجمعات، ليتوج المبادئ الدستورية السابقة، وليؤكد أن الحقوق والحريات حقوق طبيعية، في حين أسهب في الحكم عندما قرر أن حريات وحقوق الإنسان لا يستقل أي مشرع بإنشائها، بل إنه فيما يضعه من قواعد في شأنها لا يعدو أن يكون كاشفاً عن حقوق طبيعية أصيلة، ولا ريب في أن الناس أحرار بالفطرة، ولهم آراؤهم وأفكارهم، وهم أحرار في الغدو والرواح، فرادى أو مجتمعين، وفي التفرق والتجمع مهما كان عددهم ما دام عملهم لا يضر بالآخرين، وقد غدت حريات وحقوق الإنسان جزءاً من الضمير العالمي، واستقرت في الوجدان الإنساني، وحرصت النظم الديمقراطية على حمايتها وتوفير ضماناتها، كما درجت الدساتير على إيرادها ضمن نصوصها تبصيراً للناس بها.حق الاجتماع من دعامات الحكم الديمقراطيوجاء في أسباب الحكم كذلك أن الدستور فيما نص عليه في المادة (6) من أن نظام الحكم في الكويت ديمقراطي والسيادة فيه للأمة، ردد في نصوص مواده وفي أكثر من موضع الأحكام والمبادئ التي تحدد مفهوم الديمقراطية التي تلمس طريقها خياراً، وتشكل معالم المجتمع الذي ينشده سواء ما اتصل منها بتوكيد السيادة الشعبية وهي جوهر الديمقراطية، أو بكفالة الحريات والحقوق العامة وهي هدفها، أو بالمشاركة في ممارسة السلطة وهي وسيلتها.واعتبر الحكم أن الحقوق والحريات هي من الدعامات الأساسية التي لا يقوم أي نظام ديمقراطي من دونها، كما تؤسس الدول فى ضوئها مجتمعاتها، دعماً لتفاعل مواطنيها معها، بما يكفل توثيق روابطها، وتطوير بنيانها، وتعميق حرياتها.الاقتراع العام تعبير عن حرية الرأيوهو ما قضت به المحكمة الدستورية في الكويت عندما قضت بأن إجراءات الانتخاب ليست هي الغرض المقصود بذاته من عملية الانتخاب، بل إن كل الإجراءات التي شملها القانون إنما وضعت للوصول الى نتيجة واحدة، وهي تمكين كل ناخب من إبداء رأيه بحرية. (جلسة 17/ 9/ 2008، الطعن رقم 21/ 2008 طعون انتخابية).وهو ما قضت به المحكمة الدستورية العليا في مصر مقررة بأن حق الاقتراع صورة من صور التعبير عن الرأي من خلال إدلاء الناخبين بأصواتهم التي يبلورون بها إرادة اختيار ممثليهم. (جلسة 7 /2/ 1998 القضية رقم 77 لسنة 19 قضائية دستورية).الاقتراع العام محور السيادة الشعبيةوتفريعا على ذلك كان حقا وصدقا ما قضت به المحكمة الدستورية العليا في مصر بأن حقي الاقتراع والترشح هما محور السيادة الشعبية وقاعدة بنيانها، فلا يجوز إنكار أصل وجودهما أو تقييد آثارهما بما يحول دون مباشرتهما على قدم من المساواة الكاملة بين المؤهلين قانوناً بممارستهما أو الانتفاع بهما. (جلسة 3/ 2/ 1996 القضية رقم 2 لسنة 16 قضائية دستورية). مبادئ تعلو الدستورحيث تنص المادة 175 من الدستور على أن "الأحكام الخاصة بالنظام الأميري الكويتي وبمبادئ الحرية والمساواة المنصوص عليها في هذا الدستور لا يجوز اقتراح تنقيحها، ما لم يكن التنقيح خاصا بلقب الإمارة أو بالمزيد من ضمانات الحرية والمساواة". ومؤدى هذا النص أن مبادئ الحرية والمساواة المنصوص عليها في هذا الدستور، وهي مبادئ تعلو الدساتير ذاتها، قد عصمها الدستور من أي تنقيح، إلا لمزيد من ضمانات الحرية والمساواة، درءا لاقتحام تخوم هذه المبادئ في أي تنقيح للدستور، بما يهدرها أو يتنقص منها.لذلك يغدو حق التجمع وحق الاقتراع العام باعتبارهما لصيقين بحرية الرأي وحق التعبير عنه اللذين كفلتهما المادة (36) من الدستور، مبادئ تعلو الدستور ذاته، لا يستعصي الانتقاص منها على التشريع وحده، بل على تنقيح الدستور ذاته وبالإجراءات المقررة لتعديل الدستور في المادة (174).
مقالات
ما قل ودل: حق التجمع وحق الاقتراع العام في مأزق قضائي
31-03-2019