ما الذي يجمع بين شهيدي الإغاثة الطبية ساجد مزهر ورزان النجار ويوم الأرض؟ساجد مزهر ابن السبعة عشر عاماً والمتطوع في فريق إسعاف الإغاثة الطبية استُشهد يوم السابع والعشرين من مارس في مخيم الدهيشة الصامد بإباء أمام الاحتلال، وهو يسعف الجرحى المصابين برصاص الاحتلال. شاهده جنود الاحتلال وهو يرتدي لباس المسعفين المميز والواضح، وتعمدوا إطلاق الرصاص عليه وهو ينحني لإسعاف جريح على الأرض فأصابوه برصاصة تفجرت في بطنه، وقطعت شرايين رئيسة في جسمه، ورغم كل محاولات إنقاذه في غرفة العمليات، ورغم إعطائه أكثر من أربع وعشرين وحدة دم، نزف ساجد حتى الموت. وقبل أقل من عام أطلق جنود الاحتلال في قطاع غزة الرصاص على صدر المسعفة المتطوعة في الإغاثة الطبية ابنة العشرين عاما رزان النجار وهي تقوم بواجبها في إسعاف الجرحى فأردوها شهيدة.
في الحالتين ارتكب جنود الاحتلال الإسرائيلي جريمة حرب بإطلاق الرصاص عن عمد وبشكل مباشر على مسعفين طبيين، وذلك يعتبر في عرف القانون الدولي الإنساني كبرى الكبائر، إذ إن كل قوانين العالم تحرّم المس بالأطباء والمسعفين.الناطق باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي وما يسمى "المنسق" لم يتورعا عن نشر فيديو مدبلج وملفق، وكما يقول الخبراء فيديو قديم سبق أن نشر قبل عامين، ولا علاقة له من قريب أو بعيد بالشاب ساجد مزهر أو بمسعفي الإغاثة الطبية، في محاولة للتغطية المعيبة على جريمة الحرب التي وقعت ضد ساجد. ما تجسده الحادثتان، هو أولا بسالة الشباب الفلسطينيين المتطوعين والمعطائين في قيامهم بواجبهم الإنساني، وثانيا مدى وقاحة جيش الاحتلال في استباحته للفلسطينيين وشعور جنوده أنهم فوق كل محاسبة أو مساءلة، لأن ضباطهم وقادتهم مستعدون لنشر أكثر الأكاذيب والتلفيقات رذالة للتغطية على جرائمهم، التي لن ندخر جهداً من أجل كشفها وتعريتها ومحاكمة مرتكبيها.الجنازة المهيبة التي سارت بالآلاف في شوارع الدهيشة للشهيد ساجد مزهر، ذكرتنا بالجنازة الضخمة التي جرت لرزان النجار في قطاع غزة، ولكن العبرة الأهم أن شهيدَيْ الإغاثة الطبية والعمل الإنساني، واحد في الضفة وواحدة في غزة، ذكّرا الجميع بوحدة النضال الفلسطيني، ووحدة العذاب والمعاناة الفلسطينية، ووحدة المصير المشترك. وإذا كان ساجد قد صار الشهيد المبكر الأول ليوم الأرض الثالث والأربعين، فإن يوم الأرض كان وما زال يوم وحدة الشعب الفلسطيني ونضاله. إنه اليوم الذي يتشارك فيه المتظاهرون في جبل الريسان، وكفر قدوم، والمغير، وبيت لحم، والقدس، ونابلس، مع إخوتهم في الناصرة وسخنين وعكا ويافا وحيفا، ومع أشقائهم في مسيرات العودة وكسر الحصار في غزة.ساجد، ورزان، ويوم الأرض يمثلون رموزاً للوحدة الفلسطينية التي يحلم بها أبناء الشعب الفلسطيني وبناته وهم يستيقظون كل يوم على منازعات الانقسام الفلسطيني.ساجد، ورزان، ويوم الأرض يمثلون صرخة يجب أن تدوي في عقول كل قادة الأحزاب والفصائل والتنظيمات، وكل المسؤولين من أكبرهم إلى أصغرهم بألا خلاص لنا إلا بتنحية التعصب الحزبي والفصائلي، وتغليب المصلحة الوطنية على كل المصالح الفئوية، والعشائرية، والشخصية. لم يولد ساجد من فراغ، فوالده عانى من الاعتقال والتنكيل، وجدّه اعتُقل وأُبعد عن فلسطين عام 1968 عندما كان عمر والد ساجد ثلاث سنوات فقط، وأكثر ما أثر فينا تساؤل جدة ساجد نظمية مزهر البالغة من العمر 85 عاماً، والتي فقدت حفيديها الفتى ساجد، وابن عمه الطفل ركان برصاص الاحتلال، كيف لي أن أدفن حفيدين في حياتي؟ فقالوا لها: لهذا نريد أن نخرج المحتل حتى يتوقف الوالد، والجد، والجدة في بلادنا عن دفن أبنائهم أو بناتهم أو حفيداتهم. عندما طلبت والدة رزان النجار لتعزي والد ساجد مزهر بالهاتف، وسمعت حديثهما المؤثر، شعرت بوحدة فلسطين، فهل يتوحد الجميع كي ننهي احتلالاً جعل الوالد يدفن ابنه والجدة تدفن أحفادها؟* الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية
مقالات
الجامع بين ساجد مزهر ورزان النجار ويوم الأرض
31-03-2019