فاجعة عبّارة الموصل تكشف أزمة عميقة في السياسة السُّنية
اكتفى أهل الموصل، منذ انتهاء معركة تحريرها من تنظيم داعش منتصف 2017 ، بالعتب الخجول على الحكومة، واقتصر موقفهم على الشكوى بصوت منخفض من إهمال مناطقهم التي عانت ويلات كارثية، لكن الوضع تفجر بالاحتجاجات، عندما غرقت عبّارة تقل مئتي شخص كانوا يحتفلون بعيد النوروز والربيع، مما أدى إلى وفاة وفقد العشرات، معظمهم أطفال ونساء.ونجح الموصليون، وهم أهل محافظة نينوى المتعددة ثقافياً والموصوفة بأنها أكبر تجمع حضري للطائفة السنية أيضاً، في التعبير عن غضبهم بنحو دفع رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي إلى التخلي عن تردده المعروف واتخاذ قرارات سريعة، بإقالة المحافظ نوفل العاكوب المسؤول العربي السني، الذي يدير فريقاً متهماً بميله إلى الميليشيات الإيرانية والتورط في فساد واسع.وقال الموصليون لرئيس الجمهورية برهم صالح إن إهمال مناطقهم سيؤدي إلى عودة الغضب الأهلي، وخلق فراغ في العلاقة مع بغداد يمكن أن تستغله جماعات عنيفة من طراز «داعش». ولجأ الشباب إلى إيقاف السيارة، التي أقلت الرئيس خلال زيارته لنينوى، مما دفعه إلى المشاركة معهم بحماس في تظاهرة ضد الفساد، وقطع على نفسه وعداً بالتغيير، وهو ما جعل رئيسَي الحكومة والبرلمان يعملان بسرعة وينقلان السلطة التنفيذية هناك إلى خلية أزمة تتكون من مدنيين وعسكريين حسني السمعة من أهل المدينة.
وكشفت أحداث الموصل أزمة عميقة في السياسة السنية، حيث قام رئيس الوزراء السابق نوري المالكي بطرد الساسة السّنة، الذين يمتلكون تأثيراً وخبرة، ومحاصرتهم بالاتهامات، مما فسح المجال أمام النفوذ الإيراني لمحاولة خلق طبقة سياسية جديدة في المنطقة السنية غرب العراق وشماله، لا تمتلك خبرة، وتبقى غارقة في صفقات الفساد واتفاقات قائمة على الابتزاز تستغل الفراغ الأمني لتنفيذ عمليات واسعة من التلاعب خلال الانتخابات وفق تحقيقات أيّدتها الأمم المتحدة بشأن المناطق المحررة من «داعش». وفي نقطة أخرى لا تقل خطورة، كشف حادث العبّارة الغارقة حقيقة توغل الحشد الشعبي والميليشيات الموالية لإيران، في مفاصل الإدارة والمشاريع التجارية داخل الموصل والأنبار وتكريت، وهي أبرز المدن المحررة من «داعش»، إذ تفيد الأدلة الأولية بأن إدارة المنطقة الترفيهية الواسعة في الموصل ترتبط بإحدى الميليشيات، مما جعل الرأي العام يحمّلها مسؤولية غرق العبّارة، ويشجع أصواتاً في البصرة وبغداد على الحديث عن أرباح غير مشروعة تحققها الفصائل المسلحة عبر تدخلها في المشاريع.وجعل هذا النقاش العديد من المراقبين يتحدثون عن وعود المانحين العرب والدوليين الكبيرة التي أُطلقت في مؤتمر الكويت العام الماضي لإعمار الموصل وغيرها من مناطق الحرب، وذكر كثيرون أن بطء الاستجابة الدولية يتعلق بوجود طبقة سياسية فاسدة يرفض المجتمع الدولي والعربي التعامل معها، وخاصة أنها تتحالف مع الميليشيات المقربة من طهران.ويدافع رئيس الحكومة عبدالمهدي عن سياساته في الموصل بأنه ينتظر المجتمع الدولي ليفي بالتزاماته إزاء المناطق التي عانت ويلات الحرب، في وقت يقول المنتقدون إن بطء الإصلاحات يمنع المساهمين العرب والدوليين من بدء مشاريع إعادة الإعمار والمساعدة العاجلة.وأعاد موضوع الموصل كذلك طرح ملف اللامركزية الإدارية، الذي تطالب به المدن الكبرى، وخصوصاً البصرة والموصل، اللتين تطمحان إلى صلاحيات أكبر تتيح لهما تجاوز البيروقراطية المركزية المرتبطة بشبكات فساد معقدة. ورغم أن عبدالمهدي من أنصار اللامركزية الإدارية المنصوص عليها في الدستور، فإن حكومته تتباطأ في اتخاذ خطوات مؤثرة تشريعاً وتنفيذاً، وتمنح المحتجين مبررات كثيرة لاستئناف المظاهرات المشوبة بالعنف، والمتوقع اندلاعها خلال أسابيع مع حلول فصل الصيف القاسي جنوباً، وتكرار أزمة الكهرباء المزمنة في العراق.