تقدر ميزانية الكويت لعام 2019-2020 بما قيمته 22.5 مليار دينار كويتي (أي ما يعادل 75 مليار دولار أميركي)، وإذا استثنينا الباب الأول من هذه الموازنة والمخصصة للرواتب والأجور والمكافآت وغيرها مما يتم صرفه للمواطنين مع الفوارق الخاصة في هذا البند بالطبع، فإن بقية أبواب الميزانية أي ما يقارب 60% منها فهي مخصصة للتشغيل والخدمات والمشاريع التي تتولاها الشركات الخاصة أو ما يعرف بالمقاولين.في الآونة الأخيرة تغيّرت ملامح المقاولات وأصبحت متلازمة بأسماء شخصيات سياسية وكبار الموظفين في الدولة والمستشارين ووزراء وحتى أعضاء مجلس الأمة، وليس بالمستغرب أن تنتشر الأخبار والمعلومات والتقارير حول تنامي مؤشرات الفساد من جهة وتردي مستوى الخدمات من جهة أخرى وتعطل المشاريع أو الأوامر التغييرية فيها مما يضاعف قيمتها الأصلية من جهة ثالثة، والأهم من كل ذلك العيوب والفضائح وتدني مستوى الإنجاز في الكثير من الأعمال والعقود، دع عنك المشاريع التي تتبخر وتختفي من الوجود أصلاً ببساطة لأنها لم تكن سوى أعمال وهمية، وهذا ما يسمى بلغتنا الكويتية سياسة التنفيع أو القوترة أو من صادها عشّى عيالها أو الخمبقة إلى نهاية قائمة المصطلحات التي تختزل بلغة القانون بالفساد الموجب للمحاسبة والعقاب.
المناقصات التي تعتبر أحد أكبر كنوز المال تحولت إلى أهم أدوات اللعبة السياسية وأبرز نماذج الإغراء والتكسب، وأقوى صور التحكم في البلاد والعباد، وطالما أن الترسيات والعقود المليونية يتم نشرها في وسائل الإعلام ومن قبلها في الجريدة الرسمية، فأصبح اللعب على المكشوف وفي إطار القانون.هذا هو السر في التكالب على المناصب العليا ومواقع اتخاذ القرار، والتزلف لنيل القرب والحظوة من أصحاب القرار، وحتى مجلس الأمة تحول إلى مطية للوصول إلى عالم المناقصات، وهو عالم واسع وميزانيته بحر من الأموال، ويستوعب الكل طالما كانت النفوس تواقة لذلك، أما كلفة دخول هذا الباب فهي زهيدة لا تتجاوز الضمير والمبدأ وتركهما على عتبة الباب ومن ثم الدخول منه.ولهذا ضاعت معايير الاختصاص والخبرة والدراية في الصنعة، ولم يعد يهم ما تساهم به هذه المشاريع في إنتاجية الدولة أو تطوير بنية الاقتصاد فيها، أو ما تحققه من عوائد لخزينة الدولة، أو ما توفره من فرص عمل للكويتيين، فالمطلوب لا يتجاوز رخصة شروط الحصول عليها، هي مجرد النفوذ والرضا السياسي، وهذه المعادلة البسيطة تضمن الحصول على المشروع والحصانة من العقاب إذا ما فشل المشروع، وليذهب ما عدا ذلك إلى الجحيم!
مقالات
عالم المناقصات!
02-04-2019