تحليل سياسي : اعتراف ترامب بضم إسرائيل للجولان طعنة للسلام

يوفر غطاء لمخالفة القانون الدولي ويعزز عزلة الولايات المتحدة

نشر في 02-04-2019
آخر تحديث 02-04-2019 | 00:04
الاعتراف الأميركي بسيادة إسرائيل على الجولان ستكون له تداعيات محتملة، أبرزها التأثير السلبي الكبير في فرص السلام، وتوفير غطاء سياسي لدول كبرى مثل روسيا والصين لمخالفة القانون الدولي، إضافة إلى تعزيز امتلاك حزب الله اللبناني لنزاع جديد على الأرض ليبرر قتاله المسلح ضد إسرائيل نيابة عن راعييه؛ إيران ونظام الأسد.
وقّع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بالبيت الأبيض في 25 مارس الماضي بحضور رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، قراراً باعتراف الولايات المتحدة بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان.

هذه المنطقة، التي لطالما اعتُبرت سورية، احتلتها إسرائيل خلال حرب عام 1967، التي كانت خلالها القوات المسلحة السورية أحد الجيوش المحاربة، وكانت تطلق النار على الإسرائيليين من نقطة استراتيجية مرتفعة في الجولان. ومنذ حرب 1973، حين أدخلت سورية مرة أخرى قوات إلى الجولان لتطلق النار على الإسرائيليين، ظلت هذه المنطقة هادئة نسبياً، في وقت راحت سورية تطالب بها بفتور، ولم تسعَ إسرائيل بدأب إلى نشر المستوطنات فيها أو استغلالها، مكتفية باستخدامها كنقطة مهمة لمنصات الاستخبارات التكتيكية المستعملة لرصد أي خطر من سورية أو حزب الله.

وتُعتبر خطوة الرئيس الأميركي عملاً مثيراً للاهتمام، إذ تشكل ابتعاداً عن موقف كل الرؤساء الأميركيين منذ حرب عام 1967، لأنها لم تعترف بوضع الجولان القانوني كأرض محتلة، علماً بأن إدارة ترامب كانت تمسكت بهذا الوضع بشأن القدس الشرقية السنة الماضية، رغم اعترافها بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقلها للسفارة الأميركية من تل أبيب إليها، غير أن الأكثر أهمية هو تجاهل المبدأ القانوني الأساسي لقرار مجلس الأمن 242 الذي يؤكد «عدم جواز اكتساب الأراضي بالحرب...».

صحيح أن أي رئيس أميركي مستقبلي يستطيع العودة عن هذا الإعلان الرئاسي (مثلما أطاح ترامب الصفقة النووية الإيرانية، التي عقدها سلفه، بإعلان بسيط، مع أن التفاوض بشأنها استغرق سنتين، فضلاً عن أنها شملت حكومات أجنبية أساسية أخرى)، إلا أنه من الصعب على رئيس أميركي أن يقدِم على خطوات تبدو معادية لأمن إسرائيل. ولذلك، من غير المرجح أن تعود مرتفعات الجولان إلى السيادة السورية، إلا من خلال اتفاق يجري التفاوض بشأنه مع حكومة بعد الأسد في دمشق تكون مستعدة لعقد سلام كامل مع إسرائيل، مع الاشتراط في الغالب على أن تبقى هذه المنطقة منزوعة السلاح وخاضعة لإشراف طرف ثالث، كما حدث في سيناء.

مكاسب محلية

بإقدامه على هذه الخطوة الاستثنائية حقق ترامب بعض المكاسب السياسية المحلية، وقدَّم لشعب إسرائيل مؤشرا قويا على أن البيت الأبيض يدرك عمق التحديات الأمنية التي تواجهها بلاده، ووجَّه من خلالها رسالة دعم غير مشروط لنتنياهو شخصياً والشعب الإسرائيلي عموماً، على حد سواء.

لا شك أن توقيت قرار الرئيس هذا يرتبط بالانتخابات الإسرائيلية المقبلة في 9 أبريل، إذ تبذل إدارة ترامب قصارى جهدها لتعرب عن دعمها لنتنياهو، الذي يواجه سباقاً شرساً، وتجلى ذلك بوضوح خلال زيارة وزير الخارجية الأميركي بومبيو للقدس الأسبوع الماضي، حين توجه إلى الحائط الغربي برفقة نتنياهو. ولا يحاول ترامب وإدارته إخفاء دعمهما هذا، بل على العكس، يؤيدان نتنياهو علانية، رغم العرف المتبع في واشنطن عن ضرورة امتناع أي حكومة أميركية عن محاولة التأثير في انتخابات ديمقراطية في الخارج. وحينما سُئل ترامب في مقابلة تلفزيونية عما إذا كان قراره بشأن الجولان يرتبط بدعمه لنتنياهو في الانتخابات، نفى هذه الفكرة، مشيراً إلى أن منافسي نتنياهو يدعمون هذه الخطوة أيضاً.

الرئيس الأميركي أصاب في هذه المسألة، بما أن سيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان تشكّل نقطة توافق بين غالبية الأحزاب الصهيونية (اليسارية منها والوسطية واليمينية) في إسرائيل. فقد شكر منافس نتنياهو الأول، رئيس هيئة الأركان السابق بيني غانتس، زعيم تحالف «أزرق أبيض»، في خطاب أدلى به أمام 18 ألف مندوب لـ»أيباك»، ترامب على قراره، وتعهد بأن إسرائيل لن ترحل مطلقاً من الجولان.

ورغم ذلك، يخشى إسرائيليون كثر من اليسار الوسطي أن يشكّل قرار ترامب سابقة ترتبط بمستقبل حل إقامة دولتين، فهم قلقون عموماً من أن يمهد الدرب أمام ضم إسرائيل في المستقبل الضفة الغربية أو أجزاء منها (المنطقة ج أو ببساطة تكتل المستوطنات اليهودية على طول خط حدود عام 1967)، وأن تقوم إدارة ترامب على نحو مماثل بالاعتراف بذلك أيضاً. وتنادي الأحزاب الصهيونية اليمينية بضم الضفة الغربية، ومع أن حل إقامة دولتين ما زال الخيار الذي ينال الدعم الأكبر من الإسرائيليين، تشير استطلاعات الرأي إلى أن عدداً متنامياً من الإسرائيليين بدأ يتقبل فكرة الضم الكلي أو الجزئي.

تهديدات إيرانية

ودافع مسؤولو الإدارة عن خطوة ترامب هذه، معتبرين أنها رد ضروري على التهديدات الإيرانية المتفاقمة التي تواجهها إسرائيل شمالي الجولان في سورية، فقد أشار متحدث باسم نتنياهو في ظهور له على شاشة «سكاي نيوز عربية» في 25 مارس إلى تاريخ التهديدات العسكرية التي واجهتها منطقة الجليل الإسرائيلية الشمالية، نتيجة إطلاق المدفعية السورية نيرانها من المناطق المرتفعة في الجولان. وتحدث أيضاً عن المقيمين اليهود والمجامع في الجولان، مع أن أغلبية سكان هذه المنطقة من العرب والدروز. وإضافة إلى ذلك، عمد وزير الخارجية بومبيو، متجاهلاً على ما يبدو أن السلام النسبي في الجولان منذ سبعينيات القرن الماضي نتج عن دبلوماسية هنري كسنجر المكوكية في إدارة جمهورية، إلى تبرير خطوة ترامب بخطابه في 25 مارس أمام «أيباك» بذكر حرب عام 1973 حين أطلقت القوات السورية النار على إسرائيل من هذه المرتفعات، فضلاً عن اعتبار بومبيو انتشار معاداة السامية في العالم مبرراً إضافياً للاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان، مع أن هذه الخطوة ستؤدي على الأرجح إلى المزيد من معاداة السامية.

وتعكس هذه الحجة الأخيرة المحور السياسي الذي يطوره، على ما يبدو، الرئيس ومساعدو حملته لعام 2020. فقد أشار الرئيس وداعموه إلى تصريحات تنتقد إسرائيل أدلت بها عضوَا الكونغرس المنتخبتان حديثاً إلهان عمر من مينيسوتا، ورشيدة طليب من ميشيغان، وغالوا في ادعائهم أن الديمقراطيين يتبنون معاداة السامية. لكن ترامب، بمنحه الجولان لإسرائيل، يحاول بكل وضوح استمالة الأميركيين اليهود للتصويت للحزب الجمهوري في عام 2020.

وبرز الانطباع أن خطوة ترامب بشأن الجولان تنبع من اعتبارات سياسية محلية أميركية (وإسرائيلية) أكثر منها عوامل استراتيجية عندما أحيت وزارة الخارجية في 26 مارس، بكل جدية، الذكرى الأربعين لمعاهدة السلام بين إسرائيل ومصر، التي شكّلت حجر الأساس في سلام إسرائيل وازدهارها خلال العقود الأربعة الماضية. لكن اتفاق السلام هذا لم يتحقق إلا مع سحب إسرائيل احتلالها لشبه جزيرة سيناء، بعدما انتزعتها من مصر عام 1967.

وتغاضت إدارة ترامب عن واقع أن إسرائيل نفسها لم تدعِّ سابقاً بسطها سيادتها على مرتفعات الجولات. ففي عام 1982، بعد سنة من توسيع الكنيست القانون الإسرائيلي (من دون ادعاء السيادة) ليشمل الجولان، شدد الرئيس ريغان على وجهة النظر الأميركية الراسخة، التي يدعمها كلا الحزبين، قائلاً: «مقابل السلام، ينطبق بند الانسحاب في القرار 242 على كل الجبهات»، مضيفا أن إسرائيل «تملك الحق بالعيش بسلام وراء حدود آمنة ومحمية، وأن لها الحق بمطالبة جيرانها بالإقرار بهذه الوقائع».

وإضافة إلى ذلك، عندما التقى كلينتون الرئيس السوري حافظ الأسد بجنيف في يناير 1994، انهار الأمل بتحقيق إنجاز كبير بعقد السلام بين سورية وإسرائيل، وفق المسؤولين الأميركيين آنذاك، لأن رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك أعطى كلينتون خريطة، مضيفاً شريطاً صغيراً من الأراضي إلى الحدود الإسرائيلية المقترحة مع سورية، اعتبره الأسد في الحال جزءاً من منطقة الجولان التي تطالب بها سورية.

وفي وقت ليس ببعيد، في عام 2009، كان الرئيس السوري الحالي بشار الأسد يعمل سراً، من خلال وساطة أميركية وتركية، على حد سواء، ليحقق ما أخبر به زواره الأميركيين، بأنه سيكون سلاماً كاملاً مع إسرائيل يشمل، حسبما يُفترض، انسحاباً إسرائيلياً من الجولان، بموجب اتفاقات أمنية متفق عليها. وشكّل نتنياهو طرفاً في هذه الوساطة الأميركية غير الرسمية، التي لم يقدّم فيها كلا الطرفين أي التزامات، بانتظار التوصل إلى اتفاق شامل، لكن هذه الجهود توقفت، بعدما قمعت الحكومة السورية تظاهرات داخلية بالقوة العسكرية.

عواقب محتملة

وقد يترتب على الاعتراف الأميركي بسيادة إسرائيل على الجولان عواقب سلبية محتملة عدة. ففي الأمم المتحدة، شددت خمس دول في مجلس الأمن (بلجيكا، وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، وبولندا) على موقفها الذي يعتبر منطقة الجولان أرضاً تحتلها إسرائيل، وفي 27 مارس الماضي، أعلنت 28 دولة عضواً بالاتحاد الأوروبي عدم اعترافها بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان. وإضافة إلى ذلك، جاء رد فعل العالم العربي سلبياً جداً، في وقت نتوقع صدور اقتراح «صفقة القرن» للسلام الذي طال انتظاره، والذي يعمل عليه صهر ترامب جاريد كوشنر، فقد حذرت المملكة العربية السعودية من «تأثيرات سلبية كبيرة» في فرص السلام.

وبعدما خسر حزب الله، الذي أُسس في ثمانينيات القرن الماضي حاملاً تفويضاً بمقاومة احتلال إسرائيل للبنان، كل مبرر له لمواصلة القتال، بعدما انسحبت إسرائيل تماماً من لبنان في عام 2000 ملتزمة تماماً بالقرار رقم 424 الصادر عن مجلس الأمن بالأمم المتحدة، ونتيجة لذلك، عمد بشار الأسد، في مناورة تكتيكية، إلى التنازل عن مطالبة سورية بمنطقة مزارع شبعا المتنازع عليها على حدود إسرائيل الشمالية إلى لبنان، مما أتاح بالتالي للحزب مواصلة المطالبة بتفويضه بالمقاومة، مع أن عشرات من الخرائط التاريخية التي تشير إليها الولايات المتحدة تصنّف دوماً هذه المنطقة أرضاً متنازعاً عليها بين إسرائيل وسورية، بات الحزب يمتلك، مع خطوة ترامب، نزاعاً جديداً على الأرض ليبرر قتاله المسلح ضد إسرائيل نيابة عن راعييه؛ إيران ونظام الأسد.

وإضافة إلى تلك التداعيات، فإن سماح أميركا لإسرائيل ببسط سيادتها على أرض سيطرت عليها بالحرب، لا ينتهك القانون الدولي فحسب، بل يؤمن كذلك غطاء سياسياً مهماً لمنافسَيها الاستراتيجيين الندين؛ روسيا والصين، علماً أن كلاهما سيطر على أراضٍ (منطقة القرم الأوكرانية والمنشآت العسكرية المشيدة على جزر اصطناعية في بحر الصين الجنوبي على التوالي)، مخالفين بالتالي القانون وإرادة المجتمع الدولي.

وعندما سُئل وزير الخارجية بومبيو عما إذا كانت الولايات المتحدة تتخلى عن مبدأ أن الدول لا تستطيع السيطرة على الأراضي بالحرب، حاول أن يقدّم ضمانات على أن واشنطن ما زالت متمسكة بهذا المبدأ، الذي يشكّل أحد أسس الأمن الدولي، معتبراً وضع الجولان «فريداً جداً». لكن البعض يعتقد أن خطوة الرئيس ترامب هذه ستُضعف إمكانية إعادة ترسيخ النظام الدولي القائم على قواعد والحفاظ عليه، سواء كانت الولايات المتحدة تقوده أو لا.

ما يتضح جلياً اليوم، أن خطوة ترامب الداعمة لنتنياهو جوبهت بانتقاد شديد على جبهات عدة حتى في واشنطن. فلا تقتصر المشكلة على أن الجولان ليس ملكاً أساساً لترامب ليتخلى عنه. فقد يساهم قراره الأحادي الطرف هذا أيضاً في تعزيز عزلة الولايات المتحدة وإسرائيل، وجعل الدبلوماسية المتعددة الأطراف أكثر صعوبة لا سهولة. وطوال عقود، سعى الرؤساء الأميركيون إلى تحقيق النتيجة الوحيدة لإسرائيل التي قد تضمن وجودها السلمي بشكل نهائي: اعتراف جيرانها بحدود دولة إسرائيل النهائية بعد التفاوض بشأنها وتخليصها من أي أعباء إضافية قد تترتب على احتلالها أراضٍ يسكنها العرب عموماً. ويرجع جزء من المكانة والنفوذ اللذين تمتعت بهما الولايات المتحدة بين الأمم إلى الاعتقاد أن الولايات المتحدة وحدها قادرة على التوصل إلى سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط، محققة بالتالي أماني الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ومتطلبات القانون الدولي.

ولا شك في أن من المسيء جداً للولايات المتحدة (وللمجتمع الدولي ككل) أن تخسر مكانتها هذه، وأن تُعتبر بدلاً من ذلك دولة تتخلى بسرعة عن التزاماتها الراسخة، وتبدو كلمتها الدبلوماسية موضع شك.

ربما تستطيع إسرائيل أن تعيش طويلاً وفق «شريعة الغاب»، وفق ما يردد بعض المعلقين العرب. فهي اليوم مزدهرة وهادئة على الصعيد الداخلي، فضلاً عن أنها متسلحة جيداً بنظام أسلحة دفاعية قوي وقطاع أمني عالي القدرات، لكن إذا أدت خطوة ترامب إلى جعل هدف السلام ضمن حدود إسرائيلية ذات سيادة معترف بها أكثر استحالة، فإن المفارقة ستكون أنه لم يُضعف فحسب أمن إسرائيل على الأمد الطويل، بل أيضاً قوة الولايات المتحدة، من حيث نفوذها وأمنها.

توقيت القرار يرتبط بالانتخابات الإسرائيلية المقبلة في 9 أبريل وإدارة ترامب تبذل قصارى جهدها لتعرب عن دعمها لنتنياهو

خطوة ترامب قوبلت بانتقاد شديد على جبهات عدة حتى في واشنطن وقد تساهم في تعزيز عزلة الولايات المتحدة وإسرائيل

من المسيء جداً لواشنطن أن تخسر مكانتها وتتخلى بسرعة عن التزاماتها الراسخة وتبدو كلمتها الدبلوماسية محل شك

مسؤولو البيت الأبيض اعتبروا القرار رداً ضرورياً على التهديدات الإيرانية المتفاقمة التي تواجهها إسرائيل شمالي الجولان
back to top