إردوغان يخسر إسطنبول وأنقرة إثر نكسات اقتصادية

«العدالة والتنمية» يتراجع في مدن رئيسية... ويتعهد بالطعن على نتائج الانتخابات المحلية

نشر في 02-04-2019
آخر تحديث 02-04-2019 | 00:06
مناصرو المعارضة التركية يحتفلون بالنتيجة أمام مقر حزب الشعب الجمهوري في شوارع أنقرة مساء أمس الأول (رويترز)
مناصرو المعارضة التركية يحتفلون بالنتيجة أمام مقر حزب الشعب الجمهوري في شوارع أنقرة مساء أمس الأول (رويترز)
تعرض الرئيس التركي إردوغان وحزب العدالة والتنمية الإسلامي لهزيمة في مدن رئيسية في الانتخابات المحلية، خصوصاً في العاصمة أنقرة ومدينة إسطنبول عصب الاقتصاد التركي. وأشار مراقبون إلى أن السبب الرئيسي للخسارة اقتصادي، لكن بعضهم لفت إلى نكسات سياسية أبرزها الصراع مع واشنطن والاتحاد الأوروبي.
تعرض حزب الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إلى انتكاسة كبرى، أمس، بعدما أظهرت نتائج الانتخابات المحلية أن حزب العدالة والتنمية الإسلامي الذي يحكم البلاد منذ عقد ونصف خسر العاصمة أنقرة واسطنبول، عصب الاقتصاد في البلاد.

وتشكل خسارة أهم مدينتين في البلاد هزيمة مدوية لإردوغان، الذي كان نفسه رئيس بلدية اسطنبول، والذي حظي بقدرة لا مثيل لها في تاريخ تركيا على الفوز بشكل متكرر في الانتخابات.

وانخرط إردوغان بقوة في الحملة الانتخابية، فصوّر الانتخابات البلدية على أنها معركة حياة أو موت، لكن الاقتراع كان بمثابة استفتاء على حكم حزب العدالة والتنمية بعدما تباطأ الاقتصاد التركي لأول مرة منذ عقد.

وأعلن رئيس اللجنة العليا للانتخابات سعدي غوفن أن مرشح المعارضة لتولي رئاسة بلدية اسطنبول إكرام إمام أوغلو يتصدر النتائج بنحو 28 ألف صوت مع فرز معظم الأصوات.

وحصل إمام أوغلو على قرابة 4.16 ملايين صوت مقابل 4.13 ملايين لمرشح حزب العدالة والتنمية رئيس الوزراء السابق بن علي يلديريم. وأعلن المرشحان فوزهما في وقت مبكر عقب سباق محموم لترؤس بلدية أكبر مدن البلاد عندما أظهرت النتائج الأولية أنهما متعادلان تقريبا.

وقال إمام أوغلو للصحافيين أمس: "نريد أن نبدأ بالعمل على خدمة الشعب في أقرب وقت ممكن. نريد أن نتعاون مع جميع المؤسسات في تركيا لنتمكن سريعا من سد احتياجات اسطنبول".

وفي أنقرة، تقدم مرشح المعارضة لرئاسة مجلس بلدية العاصمة منصور يافاش على مرشح "العدالة والتنمية" محمد أوز هسكي بحصوله على 50.89% من الأصوات مقابل 47.06% بعد فرز 99% من صناديق الاقتراع.

وقال يافاش أمام أنصاره الذين لوحوا بالأعلام التركية الحمراء وأطلقوا الأسهم النارية خلال تجمع احتفالي: "فازت أنقرة. الخاسر في أنقرة هو أوز هسكي، خسرت السياسات القذرة وانتصرت الديمقراطية".

بوادر أزمة

وفي مؤشر على احتمال اندلاع أزمة، أكد مسؤولون من حزب العدالة والتنمية أنهم سيتقدمون بطعون لإعادة النظر في صلاحية عشرات آلاف الأصوات التي اعتبرت لاغية في المدينتين الرئيسيتين.

وقال الأمين العام لحزب العدالة والتنمية فاتح شاهين إن الحزب سيطعن في النتائج في أنقرة، مشيرا إلى أن الفجوة بين المرشحين "ستتضاءل، وأعتقد أن النتيجة ستتحول في النهاية لتصب في مصلحتنا".

تقصير

وحرص إردوغان في كلمة ألقاها أمام حشد من أنصاره في أنقرة على إبراز إيجابيات النتائج، مشيرا إلى أن الائتلاف الذي شكله حزبه مع حزب الحركة القومية (قومي متشدد) تصدر النتائج على المستوى الوطني بحصوله على أكثر من 51% من الأصوات. وبينما بدا متقبّلا لخسارة بعض المناصب البلدية إلا أنه لم يشر مباشرة إلى النتائج في أنقرة أو اسطنبول.

وقال إردوغان إذا كان هناك أي تقصير فمن واجبنا إصلاحه"، مضيفا: "اعتباراً من صباح الغد سنبدأ العمل على تحديد مكامن الضعف لدينا ومعالجتها". وخسر "العدالة والتنمية" كذلك في عدة مدن مهمة بينها ازمير وانطاليا.

وتحمل خسارة اسطنبول على وجه الخصوص حساسية بالنسبة لإردوغان، الذي ترعرع في حي قاسم باشا في المدينة، والذي يقطنه أفراد الطبقة العاملة، ولطالما كرر لأعضاء حزبه أن الفوز في المدينة يساوي الفوز بتركيا كاملة.

قلب إردوغان

وقالت أستاذة العلوم السياسية في جامعة الشرق الأوسط التقنية في أنقرة ايسي اياتا إن "اسطنبول هي قلب إردوغان وتحمل أهمية بالغة بالنسبة إليه. إنها المكان الأول الذي بدأوا (العدالة والتنمية) بالفوز فيه".

وأضافت "هناك نوعان من النتائج في الانتخابات. حافظوا على الأغلبية بما مجموعه 51 بالمئة، وهو أمر غاية في الأهمية. ولولا ذلك، لطرحت تساؤلات بشأن شرعيتهم".

لكن بالنسبة لأنصاره، لا يزال إردوغان يمثل الزعيم القوي الذي يعتقدون أن تركيا تحتاج إليه فيشيرون إلى التنمية الاقتصادية التي شهدتها البلاد في عهده وعهد حزبه.

وبنى حزب العدالة والتنمية نجاحاته في صناديق الاقتراع على ما يعتبرونها كفاءة إردوغان الاقتصادية. لكن قبل أيام من الانتخابات، تراجعت الليرة التركية مجددا، مما أعاد إلى الذاكرة الأزمة التي عاشتها العملة المحلية عام 2018 والتي تأذت بفعلها الكثير من العائلات التركية.

وسيكون أسلوبه في إدارة الاقتصاد مفتاحا لنجاح الحزب خلال السنوات القليلة القادمة، قبل الانتخابات الرئاسية والعامة المقبلة في 2023.

وقال الرئيس التركي لأنصاره، أمس، إن الأنظار ستتركز على الإصلاحات الاقتصادية والأمنية بعد الانتخابات المحلية. وكان وزير المالية، صهر الرئيس، أشار إلى أنه سيتم الإعلان عن إصلاحات اقتصادية الأسبوع المقبل.

هل هو الاقتصاد؟

وتظهر النتائج أن الثقة بقدرة إردوغان وحزبه على تجاوز الحالة الاقتصادية الحالية والدفع بالاقتصاد نحو نمو مستديم، بدأ بالاضمحلال تدريجيا، إثر الصراع السياسي بين اردوغان والأوروبيين وبينه وبين الولايات المتحدة تارة أخرى.

في هذا السياق، أظهر مسح أمس أن نشاط المصانع التركية انكمش في مارس ولعام متصل بفعل تباطؤ في طلبيات التوريد المحلية وطلبيات التصدير.

وقال استاذ العلوم السياسية في جامعة "بيلجي" في اسطنبول إيمري إردوغان، غير المرتبط بأي قرابة مع الرئيس، إن "على إردوغان أن يفهم أسباب هذه الخسائر وسيشدد على الأغلب على ضمان مستوى معيّن من النمو الاقتصادي إلى حين الانتخابات العامة المقبلة". وأضاف: "عانى سكان المدينتين على الأرجح من تداعيات التراجع الاقتصادي وهو ما انعكس على الانتخابات".

الحريات

إلى جانب تعثر الاقتصاد التركي وتراجع قيمة الليرة التركية بشكل حاد، تتحدث المعارضة التركية عن تراجع الديمقراطية، معتبرة الانتخابات الأخيرة بمثابة معركة كبيرة من أجل استرجاع الحريات العامة. وهناك آلاف الموقوفين بتهمة المشاركة في انقلاب عسكري نجا منه إردوغان في 2016.

الأكراد

وخلال التجمعات الانتخابية في وجود أنصاره، وهم الأتراك المحافظين والأكثر تدينا إجمالا، قدم إردوغان معارضيه على أنهم أعداء الدولة، فأشار إلى أنهم على صلة بمقاتلي حزب العمال الكردستاني الذين خاضوا تمردا استمر على مدى عقود، الأمر الذي دفع الاكراد الى التصويت مجددا لمصلحة حزب الشعوب الديمقراطي اليساري الكردي، الذي استعاد عدة بلديات في المناطق ذات الغالبية الكردية كما وجّه أنصاره في المدن الكبيرة، حيث لا يملك قدرة على الاختراق، للتصويت لمصلحة المعارضة.

أسلمة

وأثار إردوغان حفيظة انصار تراث كمال اتاتورك بدعوته الى تحويل آيا صوفيا من متحف الى مسجد، في خطوة اعتبرت ضمن سياسات "أسلمة المجتمع" التي يتهم العلمانيون إردوغان بتطبيقها.

سورية

وتعرضت سياسات إردوغان الى انتكاسة في سورية، ووجد نفسه بنهاية المطاف في خندق واحد بشكل أو بآخر مع نظام الرئيس بشار الأسد، الذي كان من أشد المعارضين له. ويحاول الأسد الآن التصالح مع الاكراد وإعادتهم الى "حضن الدولة"، الأمر الذي يعني تفكيكهم البنية العسكرية والإدارية التي أنشأوها في شمال سورية، وهو تماماً ما يطالب به إردوغان الذي باتت تهديداته بحسم الأمر عسكرياً ضد أكراد سورية غير قابلة للصرف.

back to top