بدا الطريق من مدينة عمّان إلى منطقة "المفرق" متعة زاهية بالاخضرار، فعلى جانبي الطريق كان بساط العشب الأخضر على امتداد البصر، ووحده كان أكثر حضوراً من أي شيء، خاصة مع انتشار قطعان الأغنام والإبل. الزميل الذي صحبني في سيارته إلى جامعة "آل البيت" ذو الأصول البدوية استغرق بنشوة واضحة، شارحاً لي كيف أن موسم الأمطار كان كريماً مع الأرض في هذا العام، وكيف أن أهل البادية عاشوا فرحاً غامراً بأمطار خيرٍ لم تنقطع على مدار الشتاء.
كنتُ أقلب خيالاتي حول بناء الجامعة، ونحن نقترب منها، وما إن وصلنا إلى المدخل الرئيسي وحيّانا حارس البوابة بابتسامة ترحيب، رافعاً يده اليمنى وصوته: "يا هلا"، حتى اتضحت الصورة؛ مجموعة من المباني الخرسانية المتفرقة التي تحيط بها الأشجار، وبعض ورود الربيع، ومع اقترابنا من مبنى كُتب عليه "كلية الآداب والعلوم الإنسانية"، في طريقنا إلى مكتب الصديق الدكتور وائل الربضي، صاحبت مشينا مجاميع من الطلبة بأصواتهم وضحكاتهم الشبابية. تمثل التعاون الثقافي بين جامعة آل البيت والمعهد الفرنسي في عمّان، بمناسبة الأسبوع الفرانكوفوني في لقائي مع طلبة قسم اللغات الحديثة، بحضور عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية الأستاذ الدكتور عليان الجالودي، والدكتور وائل الربضي رئيس قسم اللغات الحديثة، والدكتور نارت فاخون، وذلك لتسليط الضوء ومناقشة عوالم روايتين من أعمالي المترجمة إلى اللغة الفرنسية هما: رواية "في الهُنا" ورواية "ظل الشمس".ربما لأن الإنسان العربي يعيش ظرفاً صعباً، وعلى الأخص فئة الشباب، وربما لقناعة طلبة العلم بأن السبيل الأهم أمامهم لوصلهم مع الآخر يمرّ عبر بوابة اللغة، فلقد شكلت أسئلة الترجمة وانتقال النص إلى لغة أخرى حواراً شيقاً: فكيف يساهم الكاتب العربي بنقل نصه الروائي إلى لغة أخرى؟ وكيف تتم له قراءة ومراجعة نصه إذا كان هو لا يتقن اللغة التي سيصدر عمله بها؟ وهل يساهم الناشر العربي في إيصال النص الروائي العربي الجيد للمترجم والناشر الغربي؟ أم أن الآخر هو منْ ينتقي نصوصاً تروق للذائقة الغربية الجمعية والقارئ الغربي؟ وما دور الجوائز العربية في إيصال نصوص جيدة أو رديئة للترجمة؟ وكم تراها أعداد التوزيع للأعمال العربية الروائية المترجمة؟إن انفتاح نقاش واسع مع طلبة الجامعة، وفي قسم اللغات الحديثة حول موضوع إبداعي ثقافي عربي عالمي، أظهر لي بين أمور أخرى الأفكار والطموحات التي تراود مخيلتهم. كما أشار إلى نضج وعيهم الفكري وسعة اطلاعهم المعرفي والإبداعي، وسط تحقق صدق مقولة: "العالم قرية كونية"، وكيف أن العولمة الثقافية تغلغلت في المادة الأكاديمية، مثلما لامست السلوك الإنساني، مما يعني طموح الطالب العربي الشاب، لكتابة نص إبداعي عربي، روائي أو قصصي، مؤهل للوصول إلى العالمية عبر جسر الترجمة. لكن سؤالاً مختلفاً جاء على لسان إحدى الطالبات: "لماذا المؤسسات العربية الرسمية والأهلية مقصّرة في ترجمة الأدب العربي الحديث إلى اللغات العالمية الحية، وتحديداً تلك المؤسسات العاملة في بلدان عربية غنية؟"نعم، لقد انشغل أفراد ومؤسسات في أقطار كثيرة من الوطن العربي، ومنذ بدايات القرن العشرين، بترجمة مختلف الآداب الغربية إلى اللغة العربية، لكنهم انصرفوا عن ترجمة الأدب العربي الحديث، ربما لعدم وجود ناشر غربي متحمس لنشر الأدب العربي، وربما لأن ذائقة القارئ الغربي تتجه لشكل ومواضيع بعينها، وربما لأن وعياً جمعياً غربياً تشكل بفقر العربي إبداعياً وانشغالاته البعيدة عن الثقافة والأدب. وربما لتساهل وغفلة المؤسسة الثقافية العربية، لكن المحصلة كانت تأخر ترجمة المئات من الأعمال الإبداعية العربية اللافتة، والقادرة على تقديم وجه مشرق لإبداع الكاتب العربي. لكن، يبقى باب الأمل مشرعاً على ولادة مشروع عربي جاد لترجمة الإبداع العربي.ودّعتُ جامعة آل البيت وكلي سرور بحفاوة وجدية نقاشهم وطيب وصلهم بكرمهم العربي الغامر.
توابل - ثقافات
«آل البيت» والمعهد الفرنسي
03-04-2019