عمرو العادلي: روايتي صندوق أسراري
«قبل المساء» صحوة لتغيير الواقع قبل فوات الأوان
الوسط الأدبي احتفى بروايته «قبل المساء»، الصادرة أخيراً عن الدار المصرية اللبنانية، وتعد واحدة في قائمة إصداراته الأدبية التي أثرى بها مكتبة الإبداع العربي في مسافة زمنية قصيرة.
«الجريدة» التقته في هذا الحوار، ليتحدث عن تجربته ومسيرته وروايته.
* بداية دخولك العالم الأدبي كانت عبر القصة القصيرة "خبز أسود"، ماذا عنها وماذا عن كتابتك للرواية؟
- خبز أسود، كانت مجموعتي الأولى، ونشرتها في دار ملامح، وكانت تجربة جديدة تُحسب لصاحبها آنذاك، ثم تبعتها بمجموعة أخرى، وهي جوابات للسما عن الدار نفسها، وللقصة معي اهتمام خاص، فهي الفتاة المدللة.أما الرواية فهي الزوجة المستقرة، القصة معشوقتي والرواية هي صندوق أسراري، الرواية تقبل كل شيء، وتهضم كل ما سبقها من فنون، لا أفضّل التوقف طويلا عند القصة أو الرواية، فالتأرجح بينهما متعتي الخاصة، أجد نفسي في الألعاب السردية المبتكرة، فهناك ما يصلح من تلك الألعاب للقصة، وهناك ما يصلح للرواية، ولذلك فلا أحرم نفسي من هذا أو من ذاك.وقد بدأ الانتقال للرواية سنة 2011 مع رواية إغواء يوسف، وهي رواية أعتز بها حتى الآن، رغم أن ذلك لا يحدث كثيرا مع العمل الأول.
* ألم تجد صعوبة في التنقل بين جنس أدبى وآخر؟
- الأجناس الأدبية يتم تحديدها للقارئ فقط، ولكن يجب ألا يضع الكاتب أمامه فروقا حادة وحاسمة بخصوص هذا الشأن، فأنا لا أعترف بمقاس القصة أو النوفيلا أو الرواية، فلا يوجد شيء من هذا القبيل، لأنها كلها انطباعات وآراء شخصية. المهم في المسألة كلها جودة الكتابة وخروجها من روح مبدعة.التشكل الأدبي
* ما هي أبرز المؤثرات في تكوينك الأدبي؟
التشكل الأدبي جاء مع سور الأزبكية القديم، كتب مستعملة لها رائحة من قرأوها على مر السنوات، فيها علامات وشخبطات وتعليقات لها عبق ومعنى كبير لدى بعض الأشخاص، وأنا منهم، وأحيانا أعثر على صورة قديمة أتأملها وأتصور أصحابها وكيف أصبحوا الآن، خيال الكتب المستعملة واسع، ولا ولا تحده أي حدود، كما أن البيئة التي نشأت فيها كانت كأغلب البيوت المصرية، أم مهتمة بشؤون البيت وأولادها، وأب يقرأ القرآن وبعض الكتب الدينية، مثل رياض الصالحين وألفية ابن مالك، لكنني أول من اهتم بدخول الكتب الأدبية في البيت، وبدأت بالمسرح، فاشتركت في أنشطة قصر الثقافة، وكتبت أغاني للمسرحيات، ثم أعددت بعض القصص والروايات للمسرح، مثل قصة عامل التحويلة لوجيه أبوذكري، وقد أفادني العمل سنتين بالمسرح كثيرا، فهو ليس فقط "أبوالفنون"، لكن العمل به جاد وصارم وحدد شخصيتي الإبداعية منذ البداية، فقد كان عمري في هذا الوقت 18 سنة.حكاية يوسف إدريس
* بعد مرور وقت على أعمال المبدع، هل تختلف نظرته اليها أم تظل ثابتة... كيف ترى الآن جوابات للسما وحكاية يوسف إدريس ورواية إغواء يوسف ورحلة العائلة غير المقدسة؟
- بالنسبة لي الموضوع مختلف قليلا، فقد بدأت النشر وعمري 37 عاما، وهذه سن يقل فيها كثيرا الندم على النشر، لأن ما يتم نشره يكون قد مر بفلترة وتنقيح أكثر من مرة، وأضف إلى ذلك الوعي بالنسبة لرؤية العالم لدى شخص في هذه السن، فمثلا، جوابات للسما كانت قصصا من البيئة المصرية كتبت بلغة محلية (اللهجة العامية) فأعطتها صدقا كبيرا، وحكاية يوسف إدريس فيها عدة ابتكارات، فمثلا، البطل في القصة الرئيسة هو يوسف إدريس نفسه، يكتب مع بطل في القصة قصة واحدة مشتركة، وهذه المجموعة لن يجد فيها القارئ (كان، كانت، لم يكن، لم تكن، كانوا، لم يكونوا)، وقد استغرق ذلك وحده شهرين من العمل، حتى يمكنني وضع المجموعة بالكامل في الزمن الحاضر.أما رواية إغواء يوسف فقد كتبتها بأكثر من ضمير وأكثر من زمن، أقصد أنه لا ندم على شيء كتبته أبدا، لكن المراجعات تعمل من تلقاء نفسها عندما يكون المبدع جادا، أي أنه لا يعجبه العجب، وهذا شيء جيد بشكل عام.* ماذا عن روايتك اسمي فاطمة، وهل هناك مشتركات ما مع نداهة يوسف إدريس؟
- لا علاقة بين العملين، لكن اسمي فاطمة هي الرواية الأكثر حظا بين أعمالي، فقد تمت قراءتها على مستوى واسع، نقديا، وأيضا على مستوى القراء، وتم ترشيحها من قِبل القراء للقراءة، وتم تحميلها من على مواقع متنوعة أكثر من 80 ألف مرة، وهي رواية أقرب إلى نفسي بسبب طبيعة شخصيتها القريبة من روحي.قبل المساء
* في روايتك "قبل المساء" ماذا احتجت لكتابتها؟ أن تغوص في تأملاتك وقراءاتك الفلسفية، أم تتبع السيرة الواقعية لمصطفى البحيري بطل الرواية؟
- الفلسفة ليست اختيارا لكاتب الأدب، بل يجب أن تكون قراءتها إلزاما، فهي محبة الحكمة ومعرفة العقول، كيف كان الصفوة يفكرون في السابق، كيف سبروا أغوار الفكر الإنساني منذ بدء الخليقة وحتى الآن؟ وعلم النفس هو رافد مهم أيضا، وعلم الاجتماع، هذا المثلث لا غنى عنه لكاتب الأدب.أما عن قبل المساء فقد احتاجت بحثا لمدة سنتين حتى تصل إلى شكلها النهائي الذي صدرت عليه، ومصطفى البحيري بطل الرواية ليس فيلسوفا، لكنه شخص في أزمة، تخيلت نفسي مكانه، وفكرت بعقله هو، هذا كل ما في الأمر.* عنوان "قبل المساء" قد يحيل الذهن الى سؤال، وماذا بعد المساء؟ فهل بعد قراءة "ما قبل" يريحنا فيما "بعد"، مع أن الهموم تتكاثر فى المساء وليس قبله؟
- لكن كل الخوف أن نصل إلى المساء، أي أن قبل المساء هو الأزمة وليس بعده، بعده يصبح الأمر قدرا، يصبح واقعا لا محالة، وسيتعامل الشخص من خلاله على أنه نصيبه ولا فكاك منه، فقبل أن نكبر يشغلنا أمر ذلك الكِبر، لكن بعد أن نكبر يصبح الأمر قدريا.* ماذا عن مشروعاتك الأدبية القادمة؟
- أكتب حاليا رواية ستكون جاهزة في بداية العام الجديد، أعمل عليها بشكل منتظم، وستكون مفاجأة كبيرة لقرائي في مصر والعالم العربي.الأنواع الأدبية متروكة للقارئ... وأجد نفسي في الألعاب السردية المبتكرة