مجزرة نيوزيلندا جرس إنذار للغرب والشرق
نتمنى أن يتدارك العقلاء في أوروبا ظاهرة العنصرية التي بدأت تتنامى في مجتمعهم ويعملوا على مواجهتها، فالأوروبيون قبل غيرهم يدركون أخطار التعصب العنصري، حيث توضح لهم أحداث التاريخ القريبة كيف أشعل النازيون والفاشيون بتعصبهم العنصري الأعمى الحروب، ودمروا دولهم بالرغم من أنهم وصلوا إلى الحكم بالطرق الديمقراطية.
نأمل أن تكون تلك الجريمة البشعة قادرة على أن تحرك أصحاب العقول النيرة في المجتمعات الغربية والشرقية لوضع حد لتنامي ثقافة الكراهية بين البشر، حيث بدأت تظهر في أوروبا أحزاب يمينية تتبنى هذا الفكر المتطرف، مثل الحزب البديل من أجل ألمانيا، ورابطة الشمال اليميني المتطرف في إيطاليا، والحزب الوطني البريطاني، وحزب الجبهة الوطنية الفرنسي لماري لوبان. قد يكون سفاح نيوزيلندا متأثرا بالفكر اليميني المتطرف، إذ يتضح من بيان الكراهية الذي نشره أنه يؤمن بتفوق العرق الأبيض، ويؤكد أنهم سيذهبون إلى إسطنبول ليهدموا المساجد والمآذن، لأنه يعتقد أنها كانت عاصمة الإمبراطورية الرومانية الشرقية، وكان اسمها القسطنطينية. وقال السفاح إنه غير نادم على ما فعل، وكان يتمنى لو قتل عددا أكبر من الغزاة، فهو يعبر عن فكر عنصري مليء بالحقد والكراهية، وعلينا أن نقارن بين ما تفوه به هذا الحاقد وما قالته زوجة أحد الضحايا التي فقدت زوجها في تلك الجريمة، فقد سألها صحافي عما تتمنى أن يُفعل بهذا المجرم؟ فأجابت تتمنى أن يهديه الله للإسلام.
هناك فرق بين من امتلأت قلوبهم بالنور والإيمان ومن امتلأت بالحقد والكراهية، فمن امتلأت بالحقد قلوبهم لا يكرهون المهاجرين فحسب، بل يكرهون النخب الأوروبية لسعيها إلى إدماج المهاجرين في المجتمعات الأوروبية ومنحهم حقوقا متساوية، لذا انتقد المجرم في وثيقته المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لأنها سمحت لأعداد كبيرة من اللاجئين السوريين بالإقامة في ألمانيا. كما انتقد صديق خان عمدة لندن واعتبره نموذجا لسيطرة المهاجرين غير البيض على مراكز مهمة في أوروبا، ومن المؤكد أن هذا الفكر العنصري اليميني المتطرف في أوروبا لا يقل خطورة عن الفكر الراديكالي الإسلامي المتمثل في "داعش" و"القاعدة". وكما توحد العالم في محاربة داعش وهزيمته عسكريا بحيث لم يصبح له مكان آمن في المناطق التي كان يسيطر عليها، نتمنى أن يبذل رجال الفكر والثقافة جهودا لاقتلاع هذا الفكر من العقول والقلوب، فمحاربة التطرف في ميدان الفكر والثقافة لا تقل أهمية عن هزيمته في الميدان العسكري.وكذلك الحال في أوروبا نتمنى أن يتدارك العقلاء فيها ظاهرة العنصرية التي بدأت تتنامى في مجتمعهم ويعملوا على مواجهتها، فالأوروبيون قبل غيرهم يدركون أخطار التعصب العنصري، حيث توضح لهم أحداث التاريخ القريبة كيف أشعل النازيون والفاشيون بتعصبهم العنصري الأعمى الحروب، ودمروا دولهم بالرغم من أنهم وصلوا إلى الحكم بالطرق الديمقراطية. واليوم يستغل العنصريون العملية الديمقراطية ليصلوا إلى الحكم، ومن ثم يتمكنون من تحقيق مطالبهم، وهم معروفون في أوروبا ويطلق عليهم النازيون الجدد، فنأمل أن يتمكن العقلاء من معالجة هذه الظاهرة الخطيرة قبل فوات الأوان.