عند البحث عن رأس مال استثماري وصفقات تجارية مربحة، لا تأخذ حكومات الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي المصالح الأوروبية المشتركة بعين الاعتبار، فهذه كانت هي الحال فيما يتعلق بالصين، ومع ذلك فإن الدول الأعضاء التي تسعى إلى إقامة علاقة مع الصين تُعرض نفسها وبقية أوروبا للخطر.صحيح أن محاولات تحديد موقف الاتحاد الأوروبي المشترك تجاه الصين كانت محدودة حتى الآن، فبعد أزمة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي المستمرة والتهديدات التي تشكلها شركات التكنولوجيا الكبرى، لم يتمكن قادة الاتحاد الأوروبي من مناقشة العديد من القضايا المهمة الأخرى، ومع ذلك وتحسبا لقمة الاتحاد الأوروبي والصين في 9 أبريل، اكتشف قادة الاتحاد الأوروبي استراتيجيات مشتركة مع الصين في الاجتماع الذي انعقد في مارس ببروكسل، حيث سلطوا الضوء على مخاطر قرار الحكومة الإيطالية بتأييد مبادرة "الحزام والطريق" التي اقترحها الرئيس الصيني شي جين بينغ عام 2013.
لم يلق هذا التحذير أي اهتمام، ففي اليوم التالي رحبت الحكومة الائتلافية الشعبوية الإيطالية بالرئيس شي في روما ووقعت مذكرة تفاهم مع الصين، مما أدى إلى كسر قوانين دول الاتحاد الأوروبي. للأسف لن يؤدي قرار إيطاليا المشاركة في مبادرة الحزام والطريق إلى تقويض التأثير الجماعي للاتحاد الأوروبي تجاه الصين فحسب، بل سيؤدي أيضا إلى عقد اتفاقية غير مرحب بها بالنسبة للشعب الإيطالي. إن اٍيطاليا ليست أول دولة عضوة في الاتحاد الأوروبي توقع على برنامج الاستثمار في البنية التحتية الرائد في الصين؛ لكنها أكبر اقتصاد أوروبي وأول دولة من دول مجموعة السبع تقوم بذلك، ولا شك أن حركة الحكومة الإيطالية تمثل انقلابا على شي ونكسة لأوروبا. على كل حال لا تُعد مبادرة الحزام والطريق مبادرة خيرية تم إطلاقها من أجل تحسين أوضاع البشرية، إنما هي برنامج للسياسة الخارجية مصمم بشكل واضح لتوسيع نفوذ الصين الاقتصادي والجغرافي على المستوى العالمي، ووفقا لمجلس الأمن القومي الأميركي مؤخرا، فإن الحكومة الإيطالية في طريقها لاعتماد "نهج الاستثمار الصيني الفعال" دون إعطاء أي فوائد "للشعب الإيطالي".لم يكن توقيت زيارة شي في 22 و24 مارس من قبيل المصادفة، فقبل التمديد الأخير لموعد خروج بريطانيا من الاتحاد، كان من المقرر أن تغادر الاتحاد الأوروبي في 29 مارس، وفي غضون ذلك حتى انتخابات البرلمان الأوروبي المقبلة في شهر مايو، كانت قيادة الاتحاد مشتتة تماما، فليس هناك وقت أفضل لقيام شي بخداع الحكومات الأوروبية الضعيفة مع وعود بالاستثمار الصيني. لحسن الحظ وبعكس الحكومة الإيطالية، اجتمع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورئيس مفوضية الاتحاد الأوروبي جان كلود جونكر مع شي الذي يُدرك أنه في عالم تُهيمن عليه القوى العظمى لن تزدهر أوروبا إلا إذا كانت دولها الأعضاء موحدة.ومع ذلك ستظل أوروبا عرضة لتكتيكات "فرق تسُد" من قبل القوى العالمية، وسيُمنع الأوروبيون من التعبير عن رأيهم والدفاع عن مصالحهم، ومثل روسيا التي نجحت في تحويل الدول الأعضاء الفردية ضد بعضها من خلال خط أنابيب الغاز "نورد ستريم 2"، ستتفاعل الصين بشكل ثنائي مع أكبر عدد ممكن من الدول الأوروبية، وفي أي من هذه المفاوضات سيكون لها اليد العليا دائما. يتمثل أحد الحلول الممكنة التي اقترحها مفوض الاتحاد الأوروبي غونتر أوتينجر، في منح المفوضية الأوروبية حق النقض ضد أي استثمارات صينية في الاتحاد الأوروبي، ويجب اعتماد هذه الفكرة لأن القرارات الأحادية التي تتخذها دول الاتحاد الأوروبي الفردية يمكن أن يكون لها آثار أمنية واقتصادية بعيدة المدى على بقية أوروبا، وعلاوة على ذلك فإن احتمالية اعتماد الحكومات الوطنية استراتيجياتهم الخاصة تُقوض جهود الاتحاد الأوروبي لإقامة علاقة أوثق مع الصين.إن العلاقة القوية بين الاتحاد الأوروبي والصين يمكن أن يكون لها فوائد بعيدة المدى لجميع الأطراف، وبالنسبة إلى أوروبا يجب تعزيز النظام الدولي القائم على القواعد من خلال العمل مع الصين لفتح اقتصادها، وتحسين سجل حقوق الإنسان لديها، والقضاء على الممارسات التجارية غير العادلة. إذا كان هناك شيء واحد يمكن لقادة الاتحاد الأوروبي الاتفاق عليه، فهو أن التعاون مع الصين يجب أن يسود لا المواجهة.في القمة القادمة بين الاتحاد الأوروبي والصين سيكون عقد اتفاقية استثمار بينهما بحلول عام 2020 علامة إيجابية، إذ يمكن أن يساعد عقد مثل هذا الاتفاق في فتح المزيد من القطاعات الاقتصادية في الصين أمام الشركات الأوروبية من خلال إزالة الحواجز أمام الوصول إلى الأسواق والحد من التمييز ضد المستثمرين الأجانب المباشرين، وبالمثل تحتاج أوروبا إلى نهج مشترك لحماية بنيتها التحتية الحيوية، خصوصا عندما يتعلق الأمر بأجهزة 5G التي تعد شركة هواوي أحد الموردين الرئيسيين لها.كان الاتحاد الأوروبي بطيئا للغاية في مواجهة التحديات التي تطرحها الصين الطموحة بشكل متزايد، ولكن إذا اتحدنا سوية، فلا يزال بإمكاننا بناء شراكة صينية أوروبية تخدم جميع مصالحنا في المستقبل.* جاي فيرهوفستادت* رئيس الوزراء البلجيكي السابق ورئيس مجموعة تحالف الليبراليين والديمقراطيين من أجل أوروبا (ALDE) في البرلمان الأوروبي.«بروجيكت سنديكيت، 2019» بالاتفاق مع «الجريدة»
مقالات
بناء شراكة صينية أوروبية
03-04-2019