لم يكن للحادث الإرهابي، الذي قام به متطرف عنصري أسترالي الجنسية، القاتل الجماعي لمسلمين كانوا يصلون صلاة الجمعة في مدينة كرايست شيرش، أن يتحول إلى حالة احتفائية بالمسلمين، واحتضان لهم، دون هذه السيدة. قلبت تلك السيدة موازين عالم حاضر يعج بالكراهية والعنصرية والقتل على الهوية من كل الفئات ضد كل الفئات، في الغرب وفي الشرق، مسلمين وغير مسلمين. فالبشر هم الكائنات الحية الوحيدة التي تندفع في إفناء نفسها دون سبب.عمرها 38 عاماً، وقد نشأت في قرية صغيرة، لكنها دخلت معترك السياسة مبكراً، حيث تطوعت كمساعدة لرئيسة الوزراء، وكذلك في مكتب رئيس الوزراء البريطاني. هي ثاني رئيسة وزراء تضع مولودها وهي على رأس عملها، حيث سبقتها إلى ذلك بي نظير بوتو رئيسة وزراء باكستان.
في هذا الزمن الراكد، الآسن، الموبوء بطحالب الكراهية، والأيادي الموغلة في سفك الدماء والقتل، لم يكن العالم، في زمن ترامب ومن هم على شاكلته، عرباً وغير عرب، مسلمين وغير مسلمين، موعوداً بقيادة حازمة تستخدم السلام ومبادئ التعايش وقبول الآخر، في مواجهة الكراهية. كانت على موعد مع القدر لإظهار مهارات السلام، وتفوقت فيها على كل السياسيين. كان قدرها أن تطرح نموذجاً آخر على النقيض من نموذج الكراهية السائد. سجلت نقاطاً لا حصر لها ضد نماذج الشعبوية الدينية واليمينية، غربيين أو شرقيين، الذين أرادوا أن تستغل تلك الحادثة الإرهابية لإظهار شعبويتهم التائهة، وكلهم من الرجال.لم يكن المراقبون في نيوزيلندا يتوقعون لها أن تظهر قوتها من خلال تعزيز السلام، فهذا نمط غير تقليدي، فلبست الحجاب تضامناً مع المسلمين، وأعلنت تقدمها في التضييق على قوانين حيازة الأسلحة. أطلقت صفة الإرهابي المتطرف من اللحظات الأولى على المجرم، ورفضت ذكر اسمه حتى تحرمه من التداول.بذلت كل ما بوسعها لإشعار المسلمين في نيوزيلندا بأنهم مرحب بهم وأنهم من أهل البلد. في زمن الأزمات تظهر مهارة القيادة الفاعلة، وهكذا كانت جاسيندا أردرن، فأشاد بها خصومها النيوزيلنديون، قبل أصدقائها. كسرت حاجز الصوت والضوء معاً بأن هناك عداءً للمسلمين.لديها انتخابات قادمة 2020 ، ربما تخسرها أو تفوز بها، إلا أن الأحداث التاريخية لا تقاس بفوز أو خسارة انتخابات، فهي قد سجلت اسمها بأحرف من ذهب، وعبرت جسراً بل جسوراً للسلام، مفكِّكةً باقتدار أوهام نظرية المؤامرة المعششة في عقول بعض المسلمين.أيتها السيدة المحترمة، جاسيندا أردرن، جزاك الله خيراً، وليمنحك الله السلام، وينشر في بلادك وكل بلاد الدنيا قيم المحبة والسلام، فكم نحن بحاجة إلى هدوء وإعادة تفكير بمستقبل البشرية دون دماء بريئة تسفك.في الغالب، سينسى الناس أو يتناسون قريباً تلك المعزوفة النيوزيلندية الجميلة، التي قابلت العنف بالسلام، والكراهية بالمحبة، والتهميش بالاحتضان، والعزل بالضم. سينسى الناس تلك اللحظات من الوقت المستقطع ليعودوا إلى الوضع السائد، الذي تسيطر فيه وجوه الكراهية الكالحة والإرهاب، فالكارهون أعلى صوتاً بطبيعتهم من دعاة السلام.
أخر كلام
سيدة محترمة
03-04-2019