جبل أهل الكويت منذ القدم على التكاتف والالتفاف حول أمرائهم في كل ما من شأنه حماية أمن واستقلال هذا البلد سواء من خلال بناء سور الكويت أو تشكيل مجموعات متطوعة لحماية البلاد من الاطماع الخارجية.

واستمرت مظاهر حرص أهل الكويت على حماية وطنهم في البر والبحر وضمان استقراره فعمدوا إلى بناء سور لحماية مرسى البلاد الذي كان يعتبر الرئة الحيوية لاقتصادها من الأمواج العاتية التي كانت تغير على السفن الراسية فيه.

Ad

وحول هذا الموضوع ذكر الأستاذ الدكتور عبد الله يوسف الغنيم في موضوع له بعنوان «البلط البحري» نشر في سلسلة «رسالة الكويت» المجلد الرابع الصادر عن «مركز البحوث والدراسات الكويتية» أن أهل الكويت قديماً أطلقوا مسمى «البلط البحري» على السور الذي يحيط بـ «النقع» أي مراسي السفن الشراعية لحمايتها من الأمواج العاتية.

وأوضح أنه نظراً لكون هذ البلط يقدم الحماية للمرسى الرئيسي للكويت علاوة على كبر حجمة وطوله فقد تطوع للمشاركة في الصرف عليه عدد كبير من التجار في سبيل تحسين أحوال الميناء.

وقال الغنيم أن هذا التفكير المميز لإدارة البلاد والحفاظ عليها قديماً جعلها محل إشادة وتقدير حيث ذكر المقيم السياسي البريطاني في الخليج لويس بلي في مذكراته في عام 1863 «وهكذا تمكنت مجموعة من القبائل البحرية من إقامة وطن آمن ومستقر بفضل سلسلة متعاقبة من حكام متزنين نهجوا سياسة حكيمة بدأت وتواصلت منهجيتها فجعلتهم يصبحون سادة لميناء مزدهر أصبح ملجأ يأوي إليه المضطهد ودار سلام وأمن وحرية متاحة للجميع».

وأضاف أن مشروع «البلط البحري» الذي بدأ العمل فيه في أكتوبر 1927 كان يهدف إلى حماية «الفرضة» أو الميناء الواقع بالقرب من «قصر السيف» القديم وقد كان في الأصل مجموعة من «النقع» تبدأ من «نقعة الشيوخ» ثم «نقعة الغنيم» إلى «نقعة سعود» والتي اندمجت جميعها في نقعة واحدة كبيرة وجاء السور ليحميها من الأمواج.

وأشار إلى أن كلمة «البلط» تعني السور وهي من الكلمات الكويتية التي اندثرت ولم تعد متداولة مع أن لها أصل في اللغة العربية حيث يقال «بلطت الدار فهي مبلوطة إذا فرشتها بآجر أو حجارة وكل أرض فرشت بالحجارة والآجر بلاط».

وذكر أن الصخور البحرية كانت المادة الوحيدة التي يحتاج إليها المشروع كونها مادة البناء الأساسية للمنازل في ذلك الوقت لعدم انتشار الطابوق الاسمنتي وقد كانت الصخور الجيرية متوافرة في بعض شواطئ الكويت حيث كان العمال يقلعونها وينقلونها إلى موقع البناء، مبيناً أن من أشهر المناطق التي كانت تتوافر بها الصخور المستخدمة في البناء هي «منطقة عشيرج» غرب الكويت.

وأفاد بأن السفن الشراعية كانت تنطلق وعلى متنها مجموعة من العمال الذين يقومون بتجديف السفينة طوال فترة المد البحري وايقافها في فترة الجزر حيث مكان الصخور قرب الشاطئ ويباشرون بتقطيع الصخر وتجميعه حتى يحين وقت المد فيقدمون السفينة إلى مكان تلك الصخور لتحميلها ثم ينقلونها إلى مدينة الكويت لبيعها.

وتابع أن عملية تقطيع الصخور كانت من أشق المهن التي مارسها أبناء الكويت قديماً فكانت الصخور الجيرية المسننة تتسبب بالجروح والشقوق في الأيدي والأرجل.

وبين أن عملية نقل الصخور لبناء «البلط البحري» ما كانت تتم بدون تكاليف فقد كانت السفينة تفرغ شحنتها في موقع العمل مباشرة حيث كان يصل عدد شحنات الصخر المنقولة خلال اليوم الواحد إلى 17 شحنة يبلغ سعر الشحنة الواحدة 13 روبية.

وأشار إلى أنه كان يطلق على هذا السور «الحامي» وقد قام ببنائه البناء الماهر الاستاد راشد الرباح الذي ساهم أيضاً في بناء «قصر السيف القديم» و«سور الكويت الثالث» بمعاونة عشرين إلى أربعين عاملاً بأجر بلغ 2500 روبية وخمس «يواني عيش» ومفردها «يونية عيش» أي كيس الأرز.

وأفاد أنه لم تكد تمض عدة أشهر حتى تم الانتهاء من بناء سور طويل وعريض له شكل دائري مقابل «قصر السيف» قاعدته أربعة أمتار تحت الماء ومتران فوقه وله منفذ من الشرق ومنفذ من الغرب لكون الأمواج تأتي من الشمال.