الشجرة
هل تعلم أن الشجرة قد تكون أكثر فائدة وأكبر قيمة منك؟ لن نتطرق إلى القيمة الوجودية، فأنت أيها الإنسان تعتقد أنك أهم من خطا وسار على كوكب الأرض، وتستدل ببراهين وإثباتات من وحي خيالك وابتداعك.فتلك الشجرة تبتلع سموم سيارتك وتهضم فضلات طعامك دون شكوى ولا تأفف، فتحولها إلى حياة جديدة صافية تستنشقها كل يوم.تلك الشجرة التي أضقت عليها فحبستها في وعاء ضيق ترمي به مخلفاتك وعلبك الفارغة بين الحين والآخر، كم تتوق لأن تمدد جذورها! تلك الشجرة التي اقتلعتها كي تتوسع وتتطاول في بنائك وعمرانك، ليس لنقص في مسكن أو حاجة حقيقية، لن تدرك قيمتها إلا بعد فوات الأوان، فلا فراغ يكفيك ولا شيء يشبع غرورك.
أما أنت أيها الإنسان، فما أنت فاعلٌ بهذه الأرض؟ تكره رؤية سكون السماء الصافية، سكونها يزعجك! فتقتحمها بعنف بناطحات السحاب الواحدة تلو الأخرى. اعتقدتك ستنضج يوماً وتتوقف عن مسابقة: «من لديه الأطول؟ من لديه الأكبر، وبالتالي الأفضل؟» فالتفاضل على أساس الحجم مازال مقياسك الطفولي للجودة والحسن. أيقنت بعدها أن ذلك اليوم بعيد جدا، فالأنا ما زالت تسيطر عليك.أتخمت الأرض بالمباني الإسمنتية الثقيلة فازدادت حرارة الطقس، وهذا من صنع يديك، فها هي الشجرة من جديد تخفف من وطأة الحرارة، وها أنت تستعين بالأخضر والماء لتبريد الجو.زاحمت الكائنات الأخرى فتسببت بانقراض الكثير منها خلال فترة قياسية، من صيدٍ جائر تشعر بكامل الأحقية فيه، إلى تدمير لمساكن تلك الكائنات كي تبني مجمعاً تجارياً آخر أو شيئا من قبيل اهتماماتك السطحية هذه. تكره حرية الطيور، وتحب الأقفاص والقيود، فهي دليل سيطرتك على هذه الأرض.قد يقول قائل: «إن الله قد سخر الكون وكل ما عليه للإنسان، وإن غاية الإنسان هي عمارة الأرض»، وأنا أجيب أو بالأحرى أتساءل: هل كون نعم الطبيعة تحت تصرفك، يعطيك الحق في امتصاصها حتى الهلاك؟ وهل تعتبر أطنان الإسمنت والبلاستيك وتدمير الطبيعة عمارة حقيقية للأرض؟ أما السؤال الأهم فهو: هل أنت مدرك أن دمار الأرض يعني واحداً من اثنين؛ حياة بائسة فيها، أو نهايتنا عليها؟!لا أعلم إذا كانت الطبيعة ستنتصر في النهاية، فالإنسان ندٌ قوي لها، لكني في هذه الأثناء سأشجع الأزهار الصغيرة التي تشق الإسفلت، وسأهتف للحيوانات الشجاعة التي استطاعت البقاء رغم العقبات البشرية.