ليس دفاعاً عن المزورين
الشهادات المزورة أو الوهمية ملف شائك ومعقد يخرج للنور بين فترة وأخرى وتتعالى معه تصريحات المسؤولين وتكثر الاتهامات وتتوزع هنا وهناك وتسرد الحكايات والروايات، وتبدأ التحقيقات وتنتهي دون أن نصل إلى نتائج أو كشف للحقائق أو حل جازم وقاطع للمشكلة، ثم تهدأ العاصفة إلى أن تهب من جديد مثلما حدث مؤخراً بنشر كشوفات على مواقع التواصل لشهادات مزورة صادرة من الجامعة الأميركية في أثينا وجامعات في الفلبين والهند وتشيكوسلوفاكيا.وفي حقيقة الأمر أن الاتهامات بالتزوير التي توجه لحاملي شهادات بعض الجامعات يجب أن تكون مدعومة بمستندات ولا تلقى جزافاً حتى لا تسيء إلى الكويت وتشوه السمعة العلمية لأبنائها قبل أن تسيء إلى أصحاب الشهادات وأسرهم، كذلك يجب ألا يكون هناك أحكام معممة، فمثلاً حاملو شهادات أثينا ليسوا مزورين كلهم خصوصاً أن الجامعة كان معترفاً بها من قبل وزارة التعليم العالي في فترة زمنية، ثم ألغي هذا الاعتراف، وبعض حاملي هذه الشهادات لديهم أحكام قضائية باتة بصحتها وتم تصديقها ومعادلتها من قبل وزارة التعليم العالي، وعُين أصحابها في وظائف حكومية وتقلدوا مناصب مرموقة، فإذا كانوا مزورين فلماذا ساعدتهم الوزارة؟ ولماذا سكتت عنهم كل هذه السنوات؟
نحن هنا لا ندافع عن المزورين، بل نطالب بمحاسبتهم وكشفهم للرأي العام حتى يكونوا عبرة لمن يعتبر، ولكن في الوقت ذاته يجب أن يشمل العقاب من سهل لهم الالتحاق بهذه الجامعات المزيفة، ومن اعتمد شهاداتهم المزورة من القائمين على هذا الأمر في وزارة التعليم العالي، وكذلك من صدق لهم هذه الشهادات في السفارات والقنصليات الكويتية في الخارج، بل إنه يجب أن تكون هناك وقفة جادة تجاه الدول التي تفتح جامعاتها كدكاكين لبيع الشهادات الوهمية والمزورة، ويجب أن يكون لهذه الدول دور في منع هذه التجارة الحرام، خصوصاً أن بعض الحالمين والطامحين في الحصول على شهادات جامعية ومؤهلات عليا يقعون في فخ النصب من قبل هذه الجامعات، وينجرون وراء أساليبها الملتوية. وهناك نقطة في غاية الأهمية هنا أودّ الإشارة إليها لم يتطرق إليها المسؤولون الذين أشبعونا تصريحات، خصوصاً نواب الأمة الذين يتبنون هذه القضية، والتي أصبحت بالنسبة إلى بعضهم مصدراً للتكسب السياسي، وهذه النقطة تتعلق بالسبب الحقيقي الذي يدفع الكثير من أبناء وشباب الكويت إلى اللجوء لدول خارجية للحصول على مؤهل جامعي، وتحمل معاناة الغربة والتكاليف المالية الكبيرة التي تثقل كاهلهم في ظل وجود عدد كبير منهم يعول أسراً، وهذا السبب هو التقاعس عن إنشاء جامعات حكومية تستوعب الراغبين في الحصول على مؤهل عال، وفي إكمال دراساتهم الأكاديمية، ونيل الماجستير والدكتوراه، فَلَو كان لدينا جامعات في الكويت فما الذي كان سيدفع أبناءنا للجوء إلى الخارج والتعامل مع جامعات، وبالتالي يصبحون فريسة من جراء عقود وصفقات تحت مسمى نفعني واستنفع على حساب مصلحة شبابنا؟ هل يرغب هؤلاء في أن يوصموا بالتزوير وتسحب منهم شهاداتهم ووظائفهم وتسترد منهم الأموال التي حصلوا عليها؟ بالقطع كانوا سيتلقون تعليمهم في وطنهم وينأون بأنفسهم عن القيل والقال، خصوصاً أن الكويت دولة غنية، بل إنها ساهمت في إنشاء جامعات في دول أخرى في الوقت الذي لا يجد فيه أبناؤها جامعات يتلقون فيها تعليمهم، لذا يجب علينا أن نكون منصفين، وأن يعمل المسؤولون على حل المشكلة بكل أبعادها، وفي مقدمة ذلك بالقطع محاسبة كل الأطراف المشتركة في التزوير والفساد. والله ثم الوطن من وراء القصد.