تنظيم الدولة الإسلامية مجرد خديعة
هناك عشرات الآلاف من الأجانب قد تم جلبهم من 110 دول مختلفة الى العراق وسورية، وتبين أنها كانت عملية خدعة، وبعض الأجانب الذين انضموا الى تنظيم "داعش" يتوسلون الآن للعودة الى بلادهم مع اعترافهم بأن تلك كانت غلطة كبيرة من جانبهم.
كان تنظيم الدولة الإسلامسة (داعش)– كجيش تقليدي– يسيطر على ثمانية ملايين شخص في العراق وسورية، وهو اليوم مجموعة من المقاتلين المنهكين المطوقين في مساحة من ميل مربع واحد في الخيام. وقد تملك الندم بعض عناصر هذا التنظيم الذين تعهدوا بقتال القوات العربية والكردية المتقدمة حتى الرمق الأخير، في حين استسلم البعض الآخر واختار العيش تحت سلطة الأعداء بدلاً من التضحية بأنفسهم لأجل قضية خاسرة.وقبل أربع سنوات أُعلنت وفاة زعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي من مسجد الموصل كما أن عدة مئات من المقاتلين في مجموعات غير منظمة ظلوا في قرية الباغوز، وهم على استعداد للتعرض للقتل أو الأسر، وكان عشرات الآلاف من الأجانب قد تم جلبهم من 110 دول مختلفة الى العراق وسورية، وتبين أنها كانت عملية خدعة، وبعض الأجانب الذين انضموا الى تنظيم «داعش» يتوسلون الآن للعودة الى بلادهم مع اعترافهم بأن تلك كانت غلطة كبيرة من جانبهم.
قرار محسوب
وقد قدم الجنرال جوزيف فوتيل رئيس القيادة المركزية الأميركية في الأسبوع الماضي شهادة تمثل تقييماً مختلفاً الى حد كبير عن قدرة تنظيم داعش على الاحتمال، وقال «ما نشهده الآن ليس استسلاماً من جانب تنظيم داعش على شكل منظمة، بل هو عبارة عن قرار محسوب يهدف الى الحفاظ على سلامة عائلات عناصر التنظيم وقدراته القتالية، ويتعين علينا الإبقاء على الحذر والاستعداد لعمليات هجومية ضد هذا التنظيم الذي توزع الآن الى حد كبير».والجنرال فوتيل كان على حق بطريقة ما، لأن ما بين 20 ألفاً الى 30 ألفاً من المقاتلين يظلون في صفوف قوات هذا التنظيم– بحسب تقارير الاستخبارات الأميركية- ثم إن عدم قدرته على تحصيل ضرائب مثل الدولة لا يعني عدم قدرته على القيام بهجمات. وستستمر العمليات ضد قوات سورية الديمقراطية والجيش العراقي عبر الحدود خلال الفترات القصيرة والمتوسطة، وستكون هناك دائماً مساحات من الأرض غير خاضعة للسيطرة في سورية والعراق، حيث يستطيع رجال الميليشيا الحصول على الراحة والتخطيط لعمليات جديدة.من جهة أخرى لا يزال النظام السوري ضعيفاً بحيث لا يستطيع معالجة المشكلة من الوجهة العسكرية، وقد أوكل معظم مهامه الأمنية الى ميليشيا إيرانية، كما أن قوات الأمن العراقية لم تجند عناصر استخبارات ورصد واستكشاف للقيام بعمليات راسخة وفعالة.خطأ كبير
وفي غضون ذلك، تنظر ادارة الرئيس ترامب الى ذلك كله وترى فيه مبرراً لإبقاء عدة مئات من القوات الأميركية في شرق سورية– ناهيك عن خمسة آلاف جندي تحتفظ بهم في العراق– في ما يفترض أنه يهدف الى حفظ السلام وضمان عدم عودة نشاط تنظيم داعش، ويفترض أن يصدق الشعب الأميركي أن أربعمئة جندي أميركي يمكنهم منع تحرك داعش في سورية التي لا تزال الى حد كبير في حالة حرب، وهذا خطأ كبير. ومن المهم أن نتذكر سبب صعود تنظيم داعش الى هذا المستوى الرفيع والاستثنائي من القوة والمكانة في المقام الأول، ففي حين يقول الاعتقاد العام في واشنطن إن انسحاب القوات الأميركية من العراق في عام 2011 منح تنظيم داعش الفرصة للحياة من جديد فإن المصدر الحقيقي الكامن وراء مشكلة الإرهاب يتمثل في فساد الحكومة في بغداد كما كانت الفترة بين 2011 و2014 التي طرد فيها التنظيم الجيش العراقي من الرمادي والفلوجة والموصل وتكريت يمكن وصفها بالتمهيد لكارثة مقبلة، وهي رواية لا علاقة لها بالقرارات التي كانت تتخذ على بعد آلاف الأميال في واشنطن.وكانت حكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الحلم الذي يتطلع تنظيم داعش إليه، فكان المالكي رئيس الوزراء الذي يعتبر الحوكمة ليست عملاً نبيلاً يهدف الى خدمة العامة، بل مصدرا للنفوذ الشخصي المطلق، وتم اعتقال المواطنين في الأقاليم الناقدة لرئيس الوزراء، واعتبروا أعداء للدولة يحاولون إعادة حكم السنة، كما تبين أن تقييم واشنطن للمالكي كشخصية عراقية وطنية كان خطأ لأنه كان يرى الأعداء حوله ويعتبر شؤون العراق مسألة طائفية.وفي حين أطيح بالمالكي من منصبه بعد ثمانية أعوام من الحكم كان تنظيم داعش يشق طريقه نحو الجنوب باتجاه بوابات العاصمة بغداد، وأعقب ذلك خروج معظم مناطق الشمال والغرب ووسط العراق عن سيطرة الجيش النظامي الذي كانت قيادته العليا من عملاء المالكي الذين لا يعرفون ما يجب عليهم القيام به. ثم عمد عشرات الآلاف من الجنود الى خلع ملابسهم العسكرية والفرار بأمل ألا يظن تنظيم داعش أنهم ضده فيقضي عليهم، وقد تمكن بعضهم من النجاة فيما دفع آخرون حياتهم ثمناً لهذه المحاولة في أكبر مجزرة لداعش راح ضحيتها 1700 جندي من السنة دفنوا في مقابر جماعية.تدخل وإنقاذ
وتطلب الأمر تدخلاً من القوة الجوية الأميركية ووحدات الشيعة غير النظامية لانقاذ الحكومة العراقية من الانهيار التام.وبعد خمس سنوات يتعرض العراق لارتكاب الخطأ نفسه تماماً، وفي حقيقة الأمر فإن بعض تلك الأخطاء قد وقعت في الأساس، والآلاف من السنة العراقيين الذين يعيشون في مناطق تنظيم داعش أجبروا على الالتحاق به وتم اعتقالهم من قبل قوى الأمن الشيعية العراقية والتحقيق معهم وتعريضهم للتعذيب لتقديم اعترافات ثم تقديمهم الى المحاكمة والحكم عليهم بالموت. وقبل أيام نشرت لجنة حقوق الإنسان تقريراً يوثق اتهام 1500 طفل بالانتماء إلى تنظيم «داعش» تم احتجازهم في معسكرات عراقية سيئة وتوجيه الاتهام لنحو 185 من الأطفال الأجانب على الرغم من أن اعترافاتهم كانت نتيجة تعرضهم لتعذيب.والسؤال هو هل يستطيع جندي أميركي من كولورادو ونيو هامبشير أو فلوريدا عمل أي شيء للتخفيف من هذه المشاكل؟ الجواب هو طبعاً: لا. لا يستطيع. وعلاج جذور مشكلة داعش من منظور سياسي مشحون بالفساد والمحاباة والطائفية تمثل العمل الوحيد للقادة السياسيين في العراق، ولكن ليس لدى الولايات المتحدة الصبر والقدرة أو المعرفة بما يتعين على العراقيين أنفسهم القيام به، كما أنه ليس في مصلحة الولايات المتحدة حتى أن تحاول عمل ذلك.وبفضل الجيش الأميركي وشركائه في الائتلاف حصل العراق وسورية على فرصة أخرى للتحكم في مصيريهما في حين يقبع تنظيم داعش وراء الزاوية بانتظار حدوث أخطاء، وما لم تبدأ حكومات المنطقة بتحمل مسؤوليات قضاياها فسوف يستمر الإرهاب بغض النظر عن عدد الجنود الأميركيين الذين سيتم نشرهم.* دانييل دو بيتريس
عمليات «داعش» ضد قوات سورية الديمقراطية والجيش العراقي ستستمر عبر الحدود خلال الفترات القصيرة والمتوسطة
إذا لم تبدأ حكومات المنطقة تحمل مسؤوليات قضاياها فسيستمر الإرهاب بغض النظر عن عدد الجنود الأميركيين الذين سيتم نشرهم
مشكلة «داعش» من منظور سياسي مشحون بالفساد والمحاباة والطائفية تمثل العمل الوحيد للقادة السياسيين في العراق
إذا لم تبدأ حكومات المنطقة تحمل مسؤوليات قضاياها فسيستمر الإرهاب بغض النظر عن عدد الجنود الأميركيين الذين سيتم نشرهم
مشكلة «داعش» من منظور سياسي مشحون بالفساد والمحاباة والطائفية تمثل العمل الوحيد للقادة السياسيين في العراق