لفتت وزارة الآثار المصرية أنظار المهتمين بالآثار والتاريخ والحضارة حول العالم، بعدما أعلنت أخيراً عن اكتشاف أثري غاية في الأهمية، يضيف كثيراً إلى رصيد مصر الحضاري، ويعزز من سياحة الآثار، التي بدأت تتعافى بشكل ملحوظ خلال الشهور القليلة الماضية، بفضل الاكتشافات الأثرية المتتالية، والتي تم الإعلان عنها بفوارق زمنية قصيرة.
الأسرة الخامسة
كشفت بعثة أثرية مصرية النقاب عن مقبرة فريدة من نوعها عمرها نحو 4400 سنة، لشخص يُدعى "خوي"، كان يشغل منصب النبيل لدى الملك "جدكارع"، في أواخر عصر الأسرة الخامسة من الدولة القديمة، وذلك أثناء أعمال الحفائر والتسجيل العلمي للمجموعة الهرمية في جنوب سقارة بمحافظة الجيزة، التي تضم الأهرامات الفرعونية الشهيرة، وتعد إحدى عجائب الدنيا السبع، وتزخر هذه المنطقة بالعديد من المناطق الأثرية المهمة تاريخياً وحضارياً، وتمثّل بؤرة الإرث الخاص بالفراعنة.وتبدأ المقبرة المكتشفة قبل أيام بممر هابط يؤدي إلى ردهة صغيرة، ومنها إلى حجرة أمامية منقوشة عليها مناظر تصوِّر صاحب المقبرة جالساً أمام مائدة القرابين، وكذلك على قائمة قرابين ومنظر لواجهة القصر. والبعثة المصرية، التي يترأسها الآثاري محمد مجاهد، كشفت عن حجرة ثانية غير منقوشة استخدمت لغرض الدفن، ووُجدت في داخلها بقايا تابوت مصنوع من الحجر الجيري الأبيض مهشم تماما، ونجحت البعثة الأثرية في الكشف عن البقايا الآدمية لـ "خوي" بين الأحجار، حيث وجدت عليها بقايا الزيوت ومادة تُسمى "راتنج" كان يستخدمها المصري القديم في أعمال التحنيط.مقصورة قرابين
وأوضح الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، مصطفى وزيري، أن المقبرة تتكون من بناء علوي، عبارة عن مقصورة قرابين شُيدت على شكل الحرف اللاتيني (L)، مضيفا: "من الواضح أن أحجار المقصورة انتزعت خلال العصور المصرية القديمة، وأعيد استخدامها في أماكن أخرى، حيث إن البعثة لم تعثر سوى على بقايا الجدران السفلية، التي شيدت من الحجر الجيري الأبيض". ولفت وزيري إلى أن البعثة عثرت بالجدار الشمالي من المقبرة على مدخل البناء السفلي لها، والذي يحاكي تصميمه أهرامات الأسرة الخامسة، وهو التصميم الذي يكشف عنه لأول مرة داخل مقابر للأفراد وليس ملوك تلك الفترة.في السياق، أكد رئيس البعثة محمد مجاهد أن هذا الكشف يعد استكمالا لإظهار أهمية فترة الملك "جدكارع" بصفة خاصة (2388 ق.م – 2356 ق.م)، ونهاية الأسرة الخامسة عموما، حيث نجحت البعثة خلال موسم حفائرها الماضي، في الكشف عن اسم زوجة الملك لأول مرة، وتدعى الملكة "ست إيب حور"، ووجد محفورا على عمود مصنوع من حجر الغرانيت، موجود بالجانب الجنوبي من معبدها. وتابع مجاهد: "المجموعة الهرمية ومعبد الملكة تم الكشف عنهما من قبل إبان حقبة الخمسينيات من القرن الماضي، ولم يكن لدى الأثريين أي معلومة عن اسم صاحبتها أو ألقابها".وتعد المجموعة الهرمية للملكة "ست إيب حور"، والموجودة شمال شرق هرم زوجها، إحدى أضخم المجموعات الهرمية التي شُيدت لملكة خلال عصر الدولة القديمة، وواحدة من أوائل الأهرامات التي شيدت في جنوب منطقة سقارة خلال نهاية الأسرة الخامسة.مفتش القصر الإلهي
وفي ديسمبر الماضي أعلنت وزارة الآثار اكتشاف مقبرة فرعونية مماثلة في منطقة سقارة ذاتها، التي يصفها خبراء متخصصون بأنها "مخزن آثار مصر"، وتضمنت المقبرة نقوشا بديعة على جدرانها وكتابة باللغة الهيروغليفية تحمل أسماء وألقاب صاحب المقبرة، ويدعى "واح تي"، الذي من أهم ألقابه: كاهن التطهير الملكي ومفتش القصر الإلهي ومفتش معبد الملك "نفر إير كا رع"، ومفتش في المركب المقدس.انتعاش السياحة
كانت مصر بفترة طويلة من الركود السياحي، بدأت في أعقاب ثورة 25 يناير 2011 وتراجعت معدلات السياحة الوافدة، نتيجة الأحداث المتتالية التي شهدتها البلاد، والأوضاع الأمنية التي لم تكن مستقرة، ووصلت أزمة السياحة إلى ذروتها مع حادث سقوط طائرة ركاب روسية في سماء منتجع شرم الشيخ السياحي 31 أكتوبر 2015، وعلى إثره أعلنت دول عِدة وقف رحلاتها السياحية إلى مصر، لكن الاكتشافات الأثرية والأنشطة المهمة التي تشهدها مصر على فترات متقاربة، نجحت إلى حد كبير في تجاوز الأزمة، لترتفع معدلات السياحة خلال المواسم الأخيرة.