بأسلوب عنيف يجاور الاضطراب النفسي، عبّر راقصون وراقصات عن تأثير الحروب على النفوس والأجساد، وذلك في بداية الدورة الخامسة عشرة لمهرجان بيروت الدولي للرقص المعاصر (بايبود)، التي انطلقت في العاصمة اللبنانية.

ووسط تصفيق حار استمر دقائق، قدمت فرقة "مقامات" للرقص المعاصر، التي أسسها مصمم الرقص عمر راجح، عرضا يحمل عنوان "ميدنة"، ويعالج بأسلوب سردي وتجريدي حالة التدمير الكامل لمئذنة الجامع الأموي الكبير في مدينة حلب –أكبر مدينة في سورية – بفعل الحرب التي اندلعت قبل ثماني سنوات.

Ad

وهذا المعلم، بحسب ما ورد في كتيب تابع للمهرجان، "كان انعكاساً لروح المدينة، وكأنه نصب تذكاري للمدينة ببعدها التاريخي والحضاري وقيمتها الاجتماعية والدينية والثقافية. مثلت (المئذنة) روح المدينة كمعلمها، وشاهدا للزمن على حلب وجموعها وناسها".

ويطرح العرض كيفية مواجهة الإنسان لصور الدمار ومصادرة مدن بأكملها والانتهاك اليومي لحميمية الإنسان وخصوصياته.

واعتلى راجح الخشبة مع زوجته، وهي المديرة الفنية لمهرجان "بايبود" ميا حبيس، وأربعة راقصين آخرين حيث تمكنوا من حبس أنفاس الجمهور طوال 60 دقيقة لما تضمنه الأداء من قدرة هائلة على تصوير تعذيب الجسد وتعنيف الروح.

وبأجساد مرنة، حاول الراقصون إيصال أحاسيس ألم الروح والعزلة والخوف والتوتر والاستسلام واليأس وكل العوامل التي تسببها الحروب. ورأى البعض أن الأجساد الراقصة أعادت صوغ ما يرمز إليه الرقص الكلاسيكي، بحيث عبر العرض عن مكنونات الروح والأحاديث الداخلية التي يعيشها الإنسان عادة مع نفسه.

وساد صمت ثقيل في الصالة المديدة سرعان ما تحول تصفيقا قويا استمر وقوفا لدقائق عدة بمجرد أن انتهى العرض وتخللته هتافات عبر من خلالها الجمهور عن إعجابه بهذا العرض. وقالت امرأة في الخمسينيات: "وكأنني كنت شاهدة على أحد عروض مصمم الرقص الفرنسي الشهير موريس بيجار. عمر راجح حطم مفهومنا للرقص، وحطم أيضا مفهومنا للجسد. الراقصون كانوا أقرب إلى كائنات متوحشة تبكي وتتخبط".

وحبس الحضور أنفاسهم مع الأصوات الإلكترونية التي تشبه الأصوات التي تصدرها الذبابة والتي كانت تنتشر في الصالة بشكل شبه متواصل.

كما تخلل العرض عزف مباشر للموسيقى أداه عازف الإيقاع البرازيلي جوس تورنبول وعازفا العود اللبنانيان محمود تركماني وزياد الاحمدية، على وقع صوت المغني نعيم الاسمر .

وخففت الموسيقى المباشرة حدة العرض، فمنحته الجانب السردي الذي تمكن الجمهور من خلاله من الشعور ببعض لحظات عابرة من الراحة، ولطفت طيف العنف المعنوي الذي استمر 60 دقيقة.

ويستمر مهرجان "بايبود" حتى 13 الجاري، ويأتي بالتزامن مع افتتاح دار "سيتيرن بيروت" الثقافية التي تستضيف المهرجان.