وسط ترقب عالمي، دخلت قوات شرق ليبيا بقيادة المشير خليفة حفتر الضواحي الجنوبية من العاصمة طرابلس في توغل أشعل المخاطر بمعقل حكومة الوفاق المعترف بها دولياً برئاسة فايز السراج، الذي أصدر أوامر بشن غارات جوية على منطقة العزيزية ومعسكر مزدة جنوب مدينة غريان ومنطقة سوق الخميس.

واحتدم القتال قرب مطار طرابلس الدولي الخارج عن الخدمة منذ تدميره في 2014 بين ائتلاف المجموعات المسلحة الموالية لحكومة السراج، و"الجيش الوطني" التابعة لحفتر، الذي هدد بقصف أي قاعدة جوية أو مطار عسكري أو مدني تقلع منه طائرات لتنفيذ عمليات ضده.

Ad

وقبل تعيينه العقيد طيار محمد حسن محمد قنونو ناطقاً رسمياً باسم الجيش، زار السراج، برفقة قادة المنطقة الغربية، حاجز كوبري 27 العسكري الواقع على بعد 27 كلم من البوابة الغربية للعاصمة، فور استعادته من قوات حفتر في موكب مؤلف من نحو عشرين آلية، بينها شاحنات مزودة بمضادات للطائرات.

ونددت قوات حفتر عبر مكتبها الإعلامي بـ"شدّة بالغارة الجوية على منطقة العزيزية"، مؤكدة أنها من طائرة أقلعت من مصراتة، التي تتمركز فيها فصائل موالية بأغلبيتها لحكومة الوفاق.

وأكّد وزير الداخلية في حكومة الوفاق فتحي باشاغا أنّ قوات حفتر تمكّنت من السيطرة على المطار فترة وجيزة قبل أن تطردها منه القوات الموالية لحكومة الوفاق، مبيناً أن "القتال يدور حالياً في منطقة قصر بن غشير" جنوب المطار.

في المقابل، أكّد الناطق باسم "الجيش الوطني" اللواء أحمد المسماري إحراز "تقدّم مهمّ" الجمعة، معترفاً في الوقت نفسه بالانتكاسة التي تعرّضت لها قواته صبيحة اليوم نفسه حين خسرت الحاجز العسكري، في هزيمة أُسر خلالها أيضاً 128 من قوات حفتر.

وأعلن المسماري أنّ المعارك الدائرة منذ الخميس أسفرت عن سقوط خمسة قتلى في صفوف قواته، مؤكّداً أنّ قتالاً يدور على جبهة أخرى قريبة من طرابلس هي منطقة العزيزية 50 كلم جنوب غرب طرابلس.

المؤتمر الوطني

ورغم التصعيد، أعلن مبعوث الأمم المتحدة غسان سلامة أمس، أن المؤتمر الوطني المقرر بين 14 و16 الجاري سينعقد في موعده "إلا إذا أرغمتنا ظروف قاهرة"، مضيفاً: "نريد أن نطمئن الليبيين إننا باقون إلى جانب الشعب لإنجاح العملية السياسية دون اللجوء إلى التصعيد".

وقدم سلامة لمجلس الأمن صورة قاتمة عن الوضع الميداني والسياسي في طرابلس وأخبر أعضاءه بأنّ حفتر أبلغ الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس بأنّه لا ينوي وقف هجومه الرامي للسيطرة عليها.

تسوية سلمية

ودعا وزيرا خارجية مصر سامح شكري وروسيا سيرغي لافروف أمس، إلى توحيد المؤسسة العسكرية في ليبيا والحفاظ على مؤسسات الدولة.

واستبعد شكري حل الأزمة بالوسائل العسكرية ودعا كل الأطراف إلى التحلي بضبط النفس، مؤكداً أن "مصر عززت منذ البداية الاتفاق السياسي".

ومع تحذيره من التدخل الخارجي ودعوته كل القوى السياسية إلى التوصل لاتفاق، انتقد لافروف إصرار سلامة على عقد المؤتمر الوطني، قائلاً: "نأمل أن يقرر الليبيون مستقبلهم بأنفسهم والبدء بحوار شامل من دون أي نوع من المواعيد المصطنعة التي يحاول البعض أن يفرضها عليهم من الخارج ومن دون دفعهم للإسراع رغماً عنهم".

وفي بيان مشترك، دعا وزراء خارجية G7 الولايات المتّحدة وكندا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا وإيطاليا واليابان إلى "وقف فوريّ لكلّ التحركات العسكرية نحو طرابلس"، محذرين "أي فصيل من استغلال المنشآت النفطية لتحقيق مكاسب سياسية".

وشدد وزير خارجية ألمانيا هيكو ماس أمس، على أن G7 لا يمكن أن تقبل أي تصعيد عسكري إضافي في ليبيا، مؤكداً أنها اتفقت على ضرورة الضغط على المسؤولين عن التوتر وخصوصاً حفتر.

واعتبر وزير الخارجية الإيطالي إنزو ميلانيزي أنه يتعين على حفتر الاستماع إلى تحذيرات المجتمع الدولي ووقف الزحف نحو طرابلس وإلا فإن المجتمع الدولي سيرى ما يمكن عمله.

مجلس الأمن

وفي ختام جلسة مغلقة طارئة بطلب من بريطانيا، قال الرئيس الدوري لمجلس الأمن السفير الألماني كريستوف هوسغن في بيان، إن المجلس تم إطلاعه خلالها على أحدث التطورات في ليبيا وعبر عن بالغ قلقه ودعا "قوات الجيش الوطني لوقف كلّ التحرّكات العسكرية".

وأضاف أنّ "أعضاء مجلس الأمن أعربوا عن قلقهم العميق إزاء النشاط العسكري بالقرب من طرابلس والذي يهدّد الاستقرار الليبي وآفاق وساطة الأمم المتحدة والحلّ السياسي الشامل للأزمة".

وأيّد المجلس بإجماع أعضائه الخمسة عشر، بمن فيهم روسيا الداعمة لحفتر، الدعوة لوقف الهجوم باتّجاه العاصمة. وبحسب هوسغن فإنّ مجلس الأمن أكّد عزمه على "محاسبة المسؤولين عن مزيد من النزاعات".

وفي وقت سابق، اعتبر الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، أمس الأول، "أن الأمر الأكثر أهمية هو ألا يؤدي أي عمل إلى حمام دم جديد" في ليبيا.

وكانت واشنطن وباريس ولندن وروما وأبوظبي دعت "جميع الأطراف" إلى احتواء "التوتر فوراً".

كما أعربت كندا وتونس والسودان والجزائر عن قلقها حيال الأوضاع بوقف الاقتتال والعودة إلى طاولة التفاوض واستئناف العملية السلمية.

وفي حين دعت ألمانيا إلى إنهاء "العمليات العسكرية على الفور"، أعرب الاتحاد الأوروبي عن "قلقه العميق" حيال التطورات الجارية، محذراً من أن "الخطاب التصعيدي يؤدي بشكل خطير إلى مواجهة لا يمكن السيطرة عليها".