الكاتب الجزائري عيسى بن محمود: القصة ترفل في ثياب الشعر وتمارس الحوار كالرواية
يرى أن الفضاء الإلكتروني ضرورة لكنه ينزع إلى مصداقية الكتاب الورقي على الضوئي
يكتب الأديب الجزائري المعروف عيسى بن محمود بريشة رسَّام، إذ يخرج إبداعه مزجاً بين إيقاع قصته الرشيقة، ولوحاته التشكيلية البديعة. يمتلك كل أدوات الدهشة التي يبحث عنها القارئ... حول إبداعه وعلاقة الفنون ببعضها وتناول النقاد لأعماله، وكذا مشروعاته الإبداعية الجديدة التقته «الجريدة» في هذا الحوار:
• تكتب القصة وتمارس الفن التشكيلي، فما الذي يضيفه كل فن إلى الآخر سواء في نصوصك أو لوحاتك؟
- معين الفنون واحد، ومع ان الاشتغال على فن واحد من شأنه تركيز الحزمة الإبداعية أكثر مما يعطي الفعالية والتركيز، فإن تعددها أحياناً يخدم بعضه من حيث الرؤية والتأثيث، فيكون الفن التشكيلي سنداً لخلق الحركة داخل النص بالوصف الذي يقارب الحركة والريشة في آن، والتكثيف الذي يمزج المدارس الفنية في الرسم والأدب في بوتقة واحدة، مثلما يعطي النص زاويا رؤية متعددة للوحة، ويجعلها مفتوحة على عوالم وثقافات متعددة دون شطط. كحال من سيقوم بأشغال بناء وهو على اطلاع بالإنارة والتهوية والطلاء... إلخ، فيزاوج ويراعي كل تلك المتطلبات على أرضية حددها سلفاً.
• أصدرت 3 مجموعات قصصية قبل أن تتحول إلى الفضاء الإلكتروني، هل كانت الخطوة مجرد مسايرة لروح العصر أم بسبب أزمة في الطباعة الورقية؟
- الفضاء الإلكتروني ضرورة وأداة ومساحة للعرض والاطلاع والتفاعل والانتشار، ومع انني من الجيل الذي عايش حلاوة التعامل مع الكتاب الورقي، بما له من إيجابيات مستمرة كالتملك المادي، والتركيز خلال القراءة بعيداً عن الألوان والحركة، ومساهمة التعامل مع الورقة والسطر في الحفظ، وطريقة تقليب الورقة بكيفية تسمح برسوخ المعلومة، فإنني أزاوج بين الحالين مع بعض النزوع إلى مصداقية الورقي على الضوئي.• المتابع لأعمالك يلمس تحطيمك للفوارق بين الأجناس الأدبية. ما السر؟ هل تبحث عن إمتاع القارئ بأسلوب مغاير للتقليدي؟
- الاشتغال على القصة كفن جديد مقارنة بعمر الشعر والرواية يجعلنا أمام الإبداع والتنظير له من خلال النص في آن، وبعيداً عن الأطر التي يضعها الناقد للقصة القصيرة أسعى بها إلى الانفتاح من حيث البناء بمحاولة الخروج دون شطط، كأن تملأ قارورة بسائل يؤثر على شكلها تمدداً دون أن تثقب أو تتمزق، ومن حيث التأثيث بمزج المدارس الأدبية، حيث يصعب مواكبة واقع بأدوات مستهلكة يتمازج فيه الخيال، الصدمة، التطور، الاستثناء. أما من حيث اللغة فإننا حين نتبع التنظيرات الجاهزة نكون قد جانبنا الصواب مع لغتنا التي تسبح بالشاعرية والجماليات الفنية، وأرى أنه لا يكفينا التوقف عند السرد الجاف الذي يجعل من القصة حدثاً واحداً والعربية تسمح للقصة بأن ترفل في ثياب الشعر وتمارس الحوار مثل الرواية، وتمسك اللحظة مثل اللوحة وتنير مثل قبس يخترق الزوايا السوداء في النفس البشرية وما يحيط بها.• حصدت بعض الجوائز... حدثنا عن أهمية الجائزة بالنسبة للأديب وكيف تحفزه على مواصلة الإبداع؟
- لم أشتغل على الجوائز يوماً، وإن حدث أن نالت بعض أعمالي ذلك فقد كانت في بعض الحالات للمساهمة فقط، ومرد ذلك إلى عدم قناعتي بالطرق التي يتم اعتمادها في التقييم، لكن أرى أن بعض الجوائز استطاعت التعريف بأعمال أصحابها، ودفعت بهم إلى العمل أكثر حتى إن لم يكن بقصد تجاوز أعمال أخرى فهي لتجاوز الكاتب أعماله نحو آفاق جديدة، دون أن نهمل الجانب المادي الذي سمح للبعض بطباعة أعمالهم اعتماداً على القيمة المالية التي تحصلوا عليها، غير أن تعدد المنابر والهيئات التي أصبحت تدير مسابقات مختلفة جعل الغث والسمين في سلة واحدة وأفقد الجوائز معانيها وأبعادها وأهدافها.• يميل القارئ في كثير من الأحيان إلى الواقعية السحرية... ألهذا السبب تنفتح بكتاباتك على عالم الحداثة والغرائبية؟
- الواقعية السحرية تسندها الثقافات الشعبية بالأسطوري والعجائبي، وتتداخل لمقتنص اللحظة كلوحات سريالية يجمع بينها الموضوع، وإن بدت مشاهد غير وثيقة الارتباط، وقد يأخذ الحدث تبعاً لمبررات فنية جانباً دون غيره بغض النظر عن القارئ، فما سيقوله الكاتب ليس مرتبطاً بقارئ بعينه، بل لمستويات متعددة وزمان ومكان متعدد أيضاً.• هل حظيت كتاباتك بقراءات نقدية جيدة؟
- مع ما يراه المبدع من إجحاف في حق النص، إذ يتهافت العديد من النقاد على الكاتب الواحد بل والنص الواحد بأدوات ليست حتماً موضوعية، فإن بعض النصوص تخرج من شرنقة هذه النمطية، وقد نالت بعض قصصي اهتماماً من طرف بعض الأقلام النقدية، بما في ذلك الأكاديمية من الجزائر، ومصر، والعراق، والمغرب، وكانت مجموعتي القصصية "روح الأبالسة" محل مذكرة تخرج بدراسة جوانب التصوير وجمالياته من طرف طلاب في جامعة "مسيلة".• ما المشروع الأدبي الذي تعكف عليه حالياً؟- أحياناً لا يعني الكاتب ما يكتبه هو فقط، بل وما يكتب الآخرون، ما دفع بي إلى تفعيل العديد من الندوات الثقافية، وكانت آخر المحطات إطلاق ندوة شهرية تهتم بالفنون الإبداعية عموماً، قراءة ونقداً، مثلما أشتغل على رواية تراوح فصولها بروية منذ أكثر من أربع سنوات تتخذ لها من بغداد – الفلوجة مسرحاً للأحداث.
تعدد منابر الجوائز أفقدها معانيها ووضع الغث والسمين في سلة واحدة