بينما واصل آلاف المتظاهرين السودانيين، أمس، اعتصامهم لليوم الثالث على التوالي، متحدّين الغاز المسيل للدموع، وداعين المؤسسة العسكرية لدعم مطلبهم باستقالة الرئيس عمر البشير، انتشرت قوات الجيش في محيط مقر القيادة العامة وسط الخرطوم، فأغلقت طرقاً عدة مؤدية إلى المجمع المحصّن الذي يضم وزارة الدفاع ومقر إقامة البشير، لمنع المتظاهرين من الاقتراب.

ويعتصم المتظاهرون منذ السبت في محيط القيادة العامة، في أكبر تظاهرة مناهضة للحكومة منذ أشهر.

Ad

ومنذ اندلاع التظاهرات الاحتجاجية ضد البشير في ديسمبر، يشنّ عناصر من جهاز الأمن والمخابرات النافذ وشرطة مكافحة الشغب حملة أمنية على المتظاهرين، إلا أن الجيش لم يتدخل.

ونقلت وسائل إعلام في وقت سابق، أن جنودا منعوا قوات الأمن من محاولة فض اعتصام المحتجين أمس أمام مقر القيادة العامة.

كذلك أكدت مصادر لقناة "روسيا اليوم" أن قوات الجيش سمحت بدخول المعتصمين إلى مباني القوات البرية، لحمايتهم من قوات جهاز الأمن والمخابرات، بعد أن حاولت الأخيرة تفريق المعتصمين لمرتين متتاليتين صباحاً.

قتيلان

وأعلنت "لجنة أطباء السودان المركزية" المعارضة امس، أن جندياً توفي متأثراً بجراح أُصيب بها أثناء محاولته الدفاع عن المعتصمين، بعد تبادل لإطلاق نار مع عناصر من الشرطة.

كما ذكرت اللجنة المعارضة، في بيان، أن "مواطناً استشهد متأثراً بجراحه نتيجة تعرضه للضرب والتعذيب من قبل الميليشيات الأمنية بضاحية يثرب"، ليرتفع بذلك إلى 8 عدد القتلى الذي سقطوا منذ 48 ساعة.

حماية المتظاهرين

وقال محتجون ونشطاء إن الجنود المكلفين حراسة مقر القيادة خرجوا لحماية المتظاهرين، وأطلقوا رصاصات تحذيرية في الهواء.

وأفاد الشهود بأن قوات الأمن انسحبت من دون رد، وتم نشر جنود حول المنطقة، وردّد المحتجون هتاف "الجيش حامينا" و"شعب واحد... جيش واحد".

في المقابل، كذّب وزير الإعلام الناطق باسم الحكومة حسن إسماعيل، هذه التقارير، وقال: "تم تفريغ التجمهر أمام القيادة العامة تماما، وبصورة لم تخلف خسائر في جميع الأطراف". وأضاف ان "الأجهزة الأمنية متماسكة، وتعمل بطاقة إيجابية وتناسق تام".

وفي وقت مبكر من صباح أمس، وصلت مركبات عدة تحمل عناصر من جهاز الأمن والمخابرات وشرطة مكافحة الشغب إلى الموقع.

وقال شاهد عيان "بدأت قوات الأمن بعد ذلك إطلاق الغاز المسيل للدموع على المتظاهرين".

أثارت التقارير عن تدخل الجيش انقساما بين المعلقين السودانيين المؤيدين للانتفاضة ضد البشير، فاعتبر بعضهم أن الجيش انحاز لمطالب المعارضة، وان سلوكه أمام "القيادة العامة" هو رسالة للبشير والحزب الحاكم، بينما رأى آخرون أن الوقت لايزال مبكراً على الجزم، وان ما جرى قد يكون محاولة لتفكيك الاعتصام.

تصنيف المبادرات

وعقب اجتماع طارئ لـ"لجنة متابعة الأزمة" مساء أمس الأول، مع الرئيس المفوض للمؤتمر الوطني أحمد هارون، صرح رئيس اللجنة بحر إدريس أبوقردة، بأن الرئيس عمر البشير أعطى توجيها "لجمع وتصنيف كل المبادرات المطروحة والتعامل معها بإيجابية لصناعة التحول في المستقبل". وأضاف أبوقردة، ان "المرحلة الحالية تتطلب ضرورة إجراء ترتيبات انتقالية بالبلاد، ومواصلة الحوار بمشاركة كل القوى السياسية، سواء كانت قوى الحوار الوطني أو الممانعين أو الشباب في الحراك أو المسلحين في الخارج"، داعياً "كل أهل السودان إلى الجلوس مع بعض للحوار والتوافق حتى لا نقود البلاد إلى المجهول".

المعارضة

رد المعارضة على اجتماع "لجنة متابعة الأزمة" جاء سريعاً على لسان رئيس "حزب المؤتمر" عمر الدقير الذي تحدّث، أمس، باسم القوى الموقعة على "إعلان الحرية والتغيير" في ساحة اعتصام القيادة العامة، مقدّماً 4 شروط.

وقال الدقير: "نؤكد على مطلب شعبنا بالتنحي الفوري لرئيس النظام وحكومته من دون قيدٍ أو شرط، وتكوين مجلس من قوى إعلان الحرية والتغيير وقوى الثورة التي تدعم الإعلان، على أن يتولى مهام الاتصال السياسي مع القوات النظامية والقوى الفاعلة محلياً ودولياً من أجل إكمال عملية الانتقال السياسي وتسليم السلطة لحكومة مدنية انتقالية متوافق عليها شعبياً ومعبرة عن قوى الثورة، ودعوة القوات المسلحة لدعم خيار الشعب في التغيير والانتقال إلى حكم مدني ديمقراطي، وسحب يدها عن النظام الحالي الذي فقد أي مشروعية له، وقطع الطريق أمام محاولاته البائسة لجر البلاد للعنف أو للالتفاف على مطالب الثورة وإعادة إنتاج نفسه، وأخيراً دعوة المجتمع الإقليمي والدولي لدعم مطالب ثورة الشعب السوداني".

من ناحيته، دعا رئيس "الجبهة الوطنية للتغيير" المعارض غازي صلاح الدين، امس، القوى السياسية المعارضة والمؤيدة للحكومة إلى التوافق بشكل عاجل على اجتماع مائدة مستديرة تشارك فيها جميع القوى السياسية، بما فيها قوى الحراك السياسي للخروج بمبادرة متكاملة تجنب البلاد خطر الوقوع في الحرب الأهلية.

هل انحاز الجيش إلى المتظاهرين؟

اعتبر الباحث رولان مارشال المتخصص بشؤون النزاعات في القارة الإفريقية، أن "نقاشات مهمة تجري داخل الجيش" السوداني لمواكبة التظاهرات المناهضة للرئيس عمر البشير، لكن لا شيء يشير حتى الآن إلى أن المؤسسة العسكرية قد تميل لجهة المتظاهرين.

وفي رد على سؤال عن مصير الاعتصام أمام قيادة الجيش، قال مارشال: "تجري نقاشات مهمة داخل الجيش. من المعروف أن الرئيس البشير هو الذي عيّن كبار الضباط في مراكزهم، لكن لدى هؤلاء عائلات أيضاً، والعامل الأساسي الذي حرك الأزمة الحالية هو الوضع الاقتصادي،

كما أن هناك نقاشات تجري حول الفساد الذي يعم أجهزة النظام، وحول الوضع الشخصي للبشير، وحول التدخل في اليمن".

وأضاف: "في الثاني والعشرين من فبراير أقيل النائب الأول لرئيس الجمهورية الفريق أول ركن بكري حسن صالح من منصبه، مع العلم أنه كان من المشاركين في الانقلاب الذي أوصل البشير إلى السلطة عام 1989. وكان حتى ذلك التاريخ يعتبر الممثل الرئيسي للجيش في السلطة. لكن لا شيء يشير حتى الآن الى أن الجيش سيختار دعم المتظاهرين".

وعما إذا وصل السودان الى منعطف، أجاب: "قد يكون الأمر كذلك، لأن مسألة رحيل البشير قد فتحت بالفعل. لكن هذا لا يعني أن الأمور ستتسارع نحو إجراء انتخابات ديمقراطية. العرض السياسي الذي قدمه المتظاهرون ضعيف جداً. وإذا كان الإسلاميون في موقع المتهم فهم لا يزالون أقوياء ومتجذرين اجتماعياً. يبقى أن خيارات الحكومة محدودة جداً".

وفي رد على سؤال عن مقارنة بين ما يجري في السودان وتظاهرات الجزائر، قال مارشال : "النظامان مختلفان تماماً. بوتفليقة كان يحكم البلاد وكأنه رئيس مجلس إدارة يضم ممثلين عن مصالح مختلفة وفصائل تجارية وعسكرية... في السودان الأمر يتخذ شكلاً أحادياً أكثر وعمودياً. في الجزائر كان هناك رئيس عجوز ومريض في الثالثة والثمانين من العمر، في حين أن البشير لا يزال في الرابعة والسبعين ولا ينقصه النشاط والحيوية. لكن الصحيح أن المتظاهرين السودانيين يريدون الاستفادة من النضج السياسي الذي كشف عنه الجزائريون".