أيها المزورون: من تخدعون؟
كثيراً ما أتساءل: كيف ينظر المزور لذاته إذا خلا بنفسه وصفا ذهنه؟ المزورون ملؤوا البلاد ونافسوا العباد، واستحلوا لأنفسهم المال الحرام منغمسين في الدنيا، وكأنهم سيخلدون فيها، فهل ينسى هذا المزور أن خلفه حسابا وعقابا؟ أصناف المزورين منوعة، فهذا زوّر جنسيته، وهذا زوّر إعاقته، وهذا زوّر مؤهله، وهذا زوّر بياناته للعمل، وهذا زوّر مستنداته للتجارة، وهكذا يتفنن أولئك المخدوعون بجمع المال بوسائل وأنواع التزوير، ولكن أين المفر؟ يستطيع المزور أن يخدع الناس والمجتمع، وأن يصطنع حالاً ليست له في الحقيقة، وربما يتمكن من إخفاء خداعه طوال عمره- وإن كان الغالب أن يفضح تزويره في حياته ليسودّ وجهه وربما يتوب- لكن ليس هذا السؤال، إنما السؤال الذي أتمنى معرفة جوابه هو: بماذا يفكر المزوّر في خبايا عقله وزوايا قلبه؟
إذا قام المزور للصلاة، ووقف بين يدي ربّه، فماذا عساه يدعو؟ إذا صام رمضان فعلى أي لقمة حلال أم حرام يفطر؟ إذا تصدق وزكّى ماله فبأي مال طيب أم خبيث ينفق؟ إذا أعطى أهله وولده فمن أي رزق اكتسبه تنبت لحومهم وأجسادهم؟ من تخدعون أيها المزورون؟هذا المزوّر الغارق في الحرام هل يضايقه الفساد في الدولة؟ وهل يذم الحكومة لفشلها ويهاجم النواب القبيضة؟ وهل ينصح أبناءه ويعلمهم الأمانة والصدق والسعي إلى الرزق الحلال؟ وهل يقوم بوظيفته وهو ناصح لوطنه ومجتمعه؟ هذا المزوّر الذي توظف من شهادة مزورة، أو تجنس بوثائق مزورة، أو ترقى أو حتى تقاعد ببيانات مزورة، فحاصره التزوير من كل حدب وصوب، ثم شبع من مال الحرام ورثع فيه عشرين وثلاثين وأربعين سنة ثم ماذا؟ هذا رمضان يطرق الأبواب، فهل سمع المزورون الحديث الشريف «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ؟»، وهذا الدعاء الذي يلهج به المزوّر ليل نهار، فهل سمع بالحديث الشريف عندما ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر، يمدّ يديه إلى السماء: يا ربّ يا ربّ، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذّي بالحرام، فأنّى يُستجاب له؟ إن التزوير والغش وأكل مال الدولة بالباطل ظاهرة تتفشى في المجتمع، وهي تحتاج مواجهة وطنية صادقة وجادة على كل المستويات، لكبح جماح هذه الثقافة المزرية حماية للوطن في الدنيا، وحماية للناس في الآخرة، فمن يتصدى لذلك؟ والله الموفق.