وسط معارك دامية بين قوات شرق ليبيا وغربها على محاور مطار العاصمة القديم ومدينة الربيعة وعدة جبهات أخرى، دعا وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو المشير خليفة حفتر إلى الوقف الفوري لحملته العسكرية «الأحادية» الجانب ضد طرابلس، مقر حكومة الوفاق الوطني المعترف بها من الأمم المتحدة، مطالباً إياه بالعودة إلى المواقع السابقة.

وفي أقوى مناشدة دولية إجراء محادثات لإنهاء القتال، أعرب بومبيو عن قلق الولايات المتحدة العميق حيال القتال الدائر قرب طرابلس، ومطالبتها قوات حفتر بأن «توقف فوراً» هجومها على طرابلس. وقال: «لقد أوضحنا ‏جلياً أننا نعارض الهجوم العسكري الذي يقوم به حفتر وتهديد المدنيين وتقويض آفاق مستقبل أفضل لكل الليبيين»، مؤكداً أن كل الأطراف المعنية مسؤولة عن خفض التصعيد فوراً، كما شدد بيان مجلس الأمن ووزراء خارجية ‏الدول السبع.

Ad

وأضاف «بومبيو»: «ألا حل عسكرياً للنزاع في ليبيا ولذلك تواصل الولايات المتحدة مع الشركاء الدوليين الضغط على ‏القادة الليبيين للعودة إلى المفاوضات السياسية التي يتوسط فيها المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة»، معتبراً أن الحل السياسي هو السبيل الوحيد لتوحيد ليبيا وتوفير خطة للأمن والازدهار ‏والاستقرار لشعبها.

موقف روسي

في المقابل، منع الوفد الروسي في الأمم المتحدة، أمس الأول، صدور بيان عن مجلس الأمن يدعو قوات حفتر لوقف هجومها على طرابلس، وطلب تعديل صيغته لتصبح دعوة كل الأطراف الليبية المسلّحة إلى وقف القتال، وليس فقط حفتر.

لكنّ الولايات المتّحدة رفضت التعديل الروسي على النصّ الذي اقترحته بريطانيا وينص على تهديد بمحاسبة قوات حفتر، فأجهضت موسكو صدور البيان، ذلك أنّ بيانات مجلس الأمن تصدر بالإجماع.

ولاحقاً، أعلن المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف أن روسيا تستخدم كل الإمكانيات المتاحة لحث جميع الأطراف في ليبيا على الامتناع عن التصرفات التي من شأنها أن تؤدي إلى إراقة الدماء، مؤكداً استعداد موسكو للوساطة من أجل تسوية الأزمة.​​​

وأعلن نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف أن روسيا على تواصل مع جميع أطراف النزاع في ليبيا كما أنها تتواصل مع الأمم المتحدة ومبعوثها غسان سلامة لحل المشاكل الموجودة بطرق سياسية.

إنذار فرنسي

في السياق، نفى مصدر دبلوماسي فرنسي أمس، تلقي باريس إنذاراً سابقاً بتقدم قوات شرق ليبيا نحو العاصمة طرابلس، مؤكداً أن ليس لديها «أجندة سرية» ولا تحاول سراً تقويض عملية السلام في ليبيا.

واعتبر الدبلوماسي، أن «الحاجة الملحة في ليبيا هي حماية السكان المدنيين ووضع حد للقتال وإعادة كل الأطراف الليبية الرئيسية إلى طاولة الحوار»، مبيناً أن رئيس حكومة الوفاق فايز السراج يجب أن يبقى اللاعب الأساسي، وعليه أن يحتوي ويدير العملية السياسية التفاوضية.

نائب السراج

في هذه الأثناء، أعلن نائب رئيس المجلس الرئاسي علي القطراني استقالته، مثمناً تقدم حفتر نحو طرابلس، لتخليصها من سيطرة ما وصفها بالتنظيمات الإرهابية والميليشيات الإجرامية المسلحة.

واتهم القطراني السراج بخرق الاتفاق السياسي الليبي بانفراده بممارسة اختصاصات المجلس بتحريض من هذه الميليشيات، محذراً من أن تحركاته لن تقود ليبيا إلا إلى مزيد من المعاناة والانشقاق، وفقا لقناة «العربية».

الأمم المتحدة

وبعد ورود أنباء عن مغادرتها ليبيا عن طريق معبر رأس الجدير الحدودي مع تونس، أكدت بعثة الأمم المتحدة أمس، مواصلة عملها في طرابلس، مشيرة إلى لقاء جمع سلامة والسراج في مكتبه في طرابلس لمناقشة سبل المساعدة التي يمكن أن تقدمها له خلال هذه المرحلة الصعبة والحرجة.

وخلال استقباله رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، الذي بارك عملية حفتر، دعا الأمين للجامعة العربية أحمد أبو الغيط أمس، كل الأطراف إلى ضبط النفس وتجنب أي تصعيد للموقف في الميدان، بما يكفل العودة إلى الحوار للتوصل إلي حل سياسي سلمي لاستكمال المرحلة الانتقالية.

وقبيل اجتماع لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في لوكسمبورغ، دعت الممثلة العليا للسياسة الخارجية والأمنية فيديريكا موغيريني أمس، إلى وقف المواجهات العسكرية في ليبيا، مؤكدة أهمية العودة إلى المسار السياسي.

مرحلة أصعب

وعلى الأرض، شنت قوات حفتر 3 غارات على مطار معيتيقة وسط طرابلس وأخرى على مطار طرابلس الدولي. وتسعى قواته للوصول إلى وسط العاصمة بعد أن تقدمت بسهولة عبر الصحراء ووصلت إلى مناطق حضرية تشكل مرحلة أصعب.

ووسط أنباء عن فقدها السيطرة على مطار طرابلس السابق، هاجمت قوات حفتر مطار معيتيقة، الوحيد الذي يعمل في طرابلس، مما دفع هيئة الطيران المدني إلى "تعليق حركة النقل الجوي حتى إشعار آخر"، بحسب المتحدث باسم الخطوط الليبية محمد جنوة، في حين أكد مصدر ملاحي آخر الأمر نفسه وأشار إلى حالة من الهلع بين المسافرين.

ونفت مديرة المكتب الإعلامي في وزارة المواصلات بحكومة الوفاق عائشة البصير تعرض مطار معيتيقة الدولي للقصف الجوي، موضحة أن الغارات استهدفت محيطه فقط، مؤكدة إخلاءه من المسافرين حرصاً على سلامتهم، وتحويل الرحلات لمطار مصراتة.

ومع إطباق قوات حفتر على حكومة الوفاق برئاسة خصمه فايز السراج، أكدت الأمم المتحدة نزوح 2800 شخص وقد يفر عدد أكبر وإن بعض المدنيين محاصرون.

وقبل زحفه المباغت والسريع نحو العاصمة الساحلية، سيطر حفتر، المتحالف مع الحكومة الموازية في الشرق، على جنوب ليبيا الغني بالنفط في وقت سابق من العام، وتقدمت قواته دون مقاومة في مناطق أغلبها ذات كثافة سكانية منخفضة، لكن انتزاع السيطرة على طرابلس يشكل تحدياً أكبر بكثير.

وألقى العنف بظلال من الشك على خطة للأمم المتحدة لعقد مؤتمر من 14 حتى 16 أبريل الجاري للتخطيط لانتخابات باعتبارها سبيلاً للخروج من الفوضى المستمرة منذ الإطاحة بالقذافي بدعم من الغرب قبل ثماني سنوات.

قتلى ونازحون

وفيما حذرت بعثة الأمم المتحدة، من أن ما لا يقل عن 2200 شخص فروا من القتال جنوب طرابلس وعدم تمكن خدمات الطوارئ من الوصول إلى العديد من المدنيين المحاصرين، أعلن وزير الصحة في حكومة الوفاق أحميد عمر مقتل 35 على الأقل وإصابة 50 آخرين بجروح منذ بدء هجوم حفتر يوم الخميس الذي تسبب أيضاً بمقتل 19 من قواته.

ورغم دعوة منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ماريا ريبيرو القوى المتناحرة إلى تطبيق هدنة مؤقتة جديدة لإتاحة الفرصة لإجلاء المدنيين والجرحى، أعلنت فرق الإسعاف والبعثة الأممية أن المعارك تواصلت ولم تقف وفرق الإنقاذ لم تتمكن من الدخول إلى مناطق المواجهات.