برز على ساحة سوق الطاقة العالمي، هذا الأسبوع، عامل ضغط جديد يمكن أن يشكل، مع غيره من العوامل، عبئاً على الدول المصدرة للنفط في "أوبك"، خصوصاً دول الخليج المرتكزة بشكل أساسي في إيراداتها على البترول كمصدر وحيد للدخل.فمع إعادة إحياء الولايات المتحدة الأميركية ما يعرف بقانون "نوبك"، الذي يتيح رفع دعاوى قضائية لمكافحة الاحتكار ضد الدول الأعضاء بمنظمة أوبك؛ يكون أعضاء المنظمة أمام تحدٍّ جديد، من تحديات تسارعت وتيرتها في السنوات الماضية، خصوصا مع تولي الرئيس الأميركي دونالد ترامب للحكم واتخاذه منهج الضغط لخفض أسعار النفط عالميا ورفع الإنتاج في الاسواق، مع ربط هذه السياسات بأمن الدول الخليجية وحمايتها، في مشهد ربما نادر الحدوث في علاقات الدول بعضها ببعض.
قانون قديم
لم يكتسب قانون "نوبك"، وهو بالمناسبة قانون قديم يعود إلى بداية الألفية الحالية، التأييد سابقاً من الرؤساء الأميركيين، لكنه قد يتسق هذه المرة مع تغريدات ترامب المتكررة، والتي تشكو من ارتفاع اسعار النفط وضرورة اتخاذ "أوبك" إجراءات لرفع الانتاج، بصيغ كـ "حالا" و"بسرعة" و"نحن نحميكم"، مما يجعل الدول الاعضاء في المنظمة عرضة لعقوبات مالية قاسية، بصفتها دولا احتكارية لأهم منتج طاقة في العالم، وتمارس تدخلات تحدد أسعاره للمستهلكين (...)، رغم أن "أوبك" كلها لا تمثل في الحقيقة اكثر من 30 إلى 33 في المئة من إجمالي الانتاج العالمي للنفط.تغريدات ترامب
بالطبع، فإن تحديات سوق النفط، الذي حقق سعر البرميل فيه مؤخرا مكاسب جيدة، مدعوما بتخفيضات "أوبك" وحلفائها والعقوبات على إيران والأزمة السياسية والاقتصادية العميقة في فنزويلا وتصاعد الأحداث الامنية في ليبيا، تزايدت في السنوات الأخيرة بشكل لافت، بما يتجاوز تغريدات ترامب أو التلويح بقوانين عقابية، فمثلا نجد ان الولايات المتحدة دخلت منذ نحو عام على خط منافسة منتجي النفط التقليديين في الأسواق الآسيوية المعروفة بأنها من اسواق الخليج الاساسية، فقد أظهرت بيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية أن صادرات النفط الخام في الولايات المتحدة في نهاية عام 2018 وبداية 2019 تأرجحت بين 3 و4 ملايين برميل يوميا، مقابل نحو 400 ألف برميل يوميا فقط، عندما رفع الرئيس الاميركي السابق باراك أوباما في عام 2015 حظرا استمر أربعة عقود على صادرات الخام الاميركي، في حين يلامس انتاج الولايات المتحدة نحو 12 مليون برميل يوميا، في وقت تلوح فيه أكثر من شركة نفطية آسيوية بأنه إذا لم يقدم منتجو الخليج خصومات على شحناتهم فستزيد مشترياتها من الخام الأميركي. وتشير البيانات التجارية إلى أن صادرات النفط الأميركي إلى آسيا تستهدف تحديدا أسواق الهند وكوريا وتايوان.صادرات ومنافسة
ولا شك أن الصادرات الاميركية تجرنا للحديث عن تحدٍّ رفض خليجيو "أوبك" في بداياته الاعتراف به، وهو النفط الصخري، الذي بات يشكل اليوم ما يوازي 8 في المئة من الانتاج العالمي للنفط. ومشكلة "الصخري" بالنسبة لمنتجي "أوبك" أنه مملوك لشركات لديها المرونة في التعامل مع مختلف الأوضاع السعرية في السوق، مقابل دول مرتبطة بالتزامات متصاعدة تجاه موازناتها التي تنفق في اتجاهات معظمها استهلاكي شبه معدوم العائد، فإن انخفضت الاسعار فستتضرر الشركات الصخرية، ويمكنها وقتها إعادة هيكلة الانشطة والعمليات، في حين يتضرر معها الدول بمقاييس أعلى من مجرد خسارة الشركات أو تقليص الأعمال. أما إن ارتفعت اسعار النفط فسيزداد بالتبعية إنتاج "الصخري"، ليخلق فائضا في السوق يعيد الاسعار للتراجع مجددا.«السيادي» النرويجي
ومع التحديات، ثمة أمر ربما لا يرقى لمستوى التحدي، لكنه يعطي إشارة الى خفض وزن النفط كاستثمار مجدٍ في الفترة المقبلة، ويتمثل في تخارج الصندوق السيادي النرويجي الأكبر على مستوى العالم، بقيمة تتجاوز تريليون دولار، من 134 شركة نفطية متوسطة الحجم، تتعلق معظمها بالاستكشاف والحفر، كمؤشر على التقليل من درجة انكشافها على مخاطر تقلبات سوق النفط.من المفترض أن تقدم هذه التحديات عبرا لمنتجي "أوبك"، خصوصا الخليجيين الذين يعتمدون على النفط بنسب تصل إلى 90 في المئة من إجمالي إيراداتهم، كي يتبنوا سياسات مختلفة تماما عن تلك التي اعتادوا الاعتماد عليها، فأسعار النفط لم تعد سهلة الارتفاع كالسابق، والتحديات في السوق تفرض نفسها، ولا تتعلق اليوم فقط بالنمو العالمي والحروب التجارية وحجم الطلب وتعدد المنتجين، فكلها تضغط على هذه الدول، ولكن ايضا بربط أسعار السوق بالأمن والتحالف والحماية والمخاوف من أن تتنوع العقوبات مستقبلا؛ من الاحتكار إلى الأضرار البيئية الى جباية الضريبة من الدول المصدرة للنفط، وهذه كلها أفكار موجودة تدعمها جماعات ضغط قد تنجح في ظرف ما في تمرير مطالبها، فلا حل هنا غير الاستدامة وخلق اقتصاد غير نفطي مساند للمالية العامة، مع معالجة تشوهات الاقتصاد ورفع كفاءة الإنفاق وشفافيته، وإلا بقينا رهن أهواء من يصنع القرار في العالم، فضلا عن حركة أسعار النفط.