● أتاحت لك دراستك في علم اللغويات وتدريسها بجامعة أكسفورد مجالات رحبة للإبداع... فهل كان ذلك سبب بروز سؤال الهوية؟

Ad

- بالطبع، سؤال الهوية حاضر في كل وقت، ولكنه يتجلى أكثر ويضغط بقوة على النفس في الغربة، ففيها نجد أنفسنا أمام آخر مختلف في الطباع والسلوك وردود الفعل واللغة، وقد لمست ذلك، حيث قضيت فترة كبيرة في بريطانيا ونلت درجة الماجستير والدكتوراه من جامعة اكسفودر، وقمت بالتدريس فيها، ورغم أننى ابنة مدينة الإسكندرية التي تتعدد فيها الأعراق والأجناس والهويات فإن الجميع يبحث عن هويته في النهاية.

● إذن ماذا عن النشأة والمكونات الثقافية الأولى التي أثرت في مسيرتك وأعمالك؟

- نشأت في الإسكندرية بجوار البحر، وفي اعتقادي أن الحياة في المدن الساحلية تفتح أمامك آفاقاً واسعة للتأمل وسبر أغوار النفس، والاسكندرية حاضنة لكل الثقافات، وبلد غني ومهم، بصفتها كانت مركزاً عالمياً في وقت ما، كما أن دراستي للأدب أثرت تجربتي، وطبعا عشقي للقراءة، وبعد ذلك سفري للماجستير والدكتوراه في أكسفورد جعل سؤال الهوية والتاريخ دائما في عقلي وكتاباتي، وروايتي الأولى "رائحة البحر" تحمل صدى ذلك، ونجاحها مهد لي الطريق لكتابة رواية أكثر جرأة في الأسلوب والمعالجة، هي "بائع الفستق"، وبعد ذلك تتابعت اعمالي.

● لماذا تعتبرين روايتك "بائع الفستق" أكثر جرأة؟

- "بائع الفستق" روايتي الثانية، وترجمت إلى اللغة الإنكليزية، وهي تصور معاناة الحب وصراع الهوية، وتتناول رؤيتي لمصر في ثمانينيات القرن العشرين، والتغييرات التي أحدثها عقد حافل بالحياة والثقافة. وتحمل رؤيتي هذه المحملة بمسحة رومانسية تساؤلات حول وطأة الغربة، وكيف يرى المصريون ثقافتهم، ورغم حدة هذه التساؤلات فإنها كشفت عن المعاناة التي نعيشها في البحث عن ذواتنا وهويتنا.

الشرق والغرب

● ولكن في روايتك "مرشد سياحي" انتقلت للحديث عن التاريخ والحضارة القديمة مما جعل البعض يقول إنها تخاطب الغرب؟

- "مرشد سياحي" رواية صعبة، ولابد من النظر إلى ما وراء القصة لفهم المغزى، حتى العلاقة بين الشرق والغرب في الرواية معقدة، ولا تعتمد على المفهوم المعروف من سيطرة للغرب على الشرق، بل الرواية تظهر مظاهر لتفوق الشرق أحيانا، وأخرى لضعف الغرب في بعض الحالات، ومغزى الرواية أن نعيد نظرتنا لفهم الحقيقة والواقع.

أولاد الناس

● نأتي لروايتك "ثلاثية المماليك... أولاد الناس" وهي أحدث إصداراتك... لماذا اخترت هذه الحقبة التاريخية؟

- حقبة المماليك من أهم حقبات تاريخ مصر، وللأسف الكثير يسيء فهم المماليك أو لا يكترث بإنجازاتهم وما قدموه لمصر، وبما أنني أهتم بموضوع الهوية والوطن كان لابد من إعادة النظر إلى التاريخ، ومحاولة الفهم الصحيح له، و"أولاد الناس" محاولة لإنصاف التاريخ والتعبير عنه بموضوعية وصدق، وليس تبعا لأهواء أو خلفيات ايديولوجية، وكما أبحث في رواية "مرشد سياحي" عن الحقيقة، أفعل الشيء نفسه في "أولاد الناس"، بتناول فترة حكم دولتي المماليك، دولة المماليك البحرية ودولة المماليك البرجية، ثم هزيمة المماليك على يد قوات سليم الأول في عام 1517 وقتل السلطان طومان باي وتعليقه على باب زويلة. وتتخذ الثلاثية من قصة بناء مسجد السلطان حسن بداية للحكي، وتحكي عن تاريخ وتفاصيل العصر وقت وقبل البناء من خلال قصة غير مألوفة على المصريين في هذا العصر وهي زواج زينب المصرية من أمير مملوكي بعد تهديد من الأمير. ويثمر هذا الزواج عن المهندس الذي بنى المسجد. ثم تتوالى الأحداث التي تعود في الحكاية الثانية إلى المسجد بعد عام 1388 حيث تحول إلى ساحة قتال بين الأمراء وفي الحكاية الأخيرة ترصد الأحداث سرقة ونهب المسجد على يد القوات العثمانية.

علم اللغويات والرواية

● لماذا اخترت الرواية مجالاً للإبداع؟

- أعتقد أنني منذ البداية وجدت نفسي أكثر في الرواية عن القصة القصيرة.

● هل ساعدك اختيارك لعلم اللغويات كثيراً في احتراف الأدب؟

- دراستي وتخصصي في علوم اللغويات أضافا إلي الحرفية في الكتابة، وهذا ما اكتشفته بنفسي عندما بدأت العمل على دراسة اللغة وعلاقتها بالمجتمعات العربية. فعلم اللغة الاجتماعي ساعدني جدا في الكتابة وفتح آفاق جديدة لدي من المعرفة لعلاقة التاريخ باللغة في العالم العربي ومصر، وأثرى تجربتي الروائية جدا.

● ماذا عن أحدث مشروعاتك؟

- في الحقيقة، "أولاد الناس" استغرقت وقتاً ومجهوداً، وأحتاج إلى فترة للخروج منها لعمل جديد، فعندما أنتهي من عمل وأبدأ آخر جديداً أحاول التركيز في الجديد، وأحتاج إلى فترة تأمل وأحيانا بعد وقت أعيد قراءة القديم ولكن من منظور مختلف بعد خروجه من حيز امتلاكي له لحيز الناس عامة، حتى أتهيأ لكتابة الجديد.

مسيرة وجوائز

تعمل ريم بسيوني حاليا أستاذة للغويات في الجامعة الأميركية بالقاهرة، وقامت بالتدريس في الجامعات البريطانية والأميركية مثل "جورجتاون و"يوتا" في أميركا، و"كامبريدغ" و"أكسفورد" في بريطانيا.

واختارت مجلة فورورد، وهي أكبر مجلة نقد في أميركا، رواية "بائع الفستق" ضمن أفضل عشر كتب صدرت في عام 2009 بالولايات المتحدة. وتُرجمت روايتها إلى الإنكليزية والاسبانية والإيطالية واليونانية.

وحصلت بسيوني على العديد من الجوائز، منها: المركز الأول في جائزة ساويرس للأدب يناير 2010، عن رواية "الدكتورة هناء"، وجائزة أحسن عمل مترجم في أميركا عن رواية "بائع الفستق"، من مركز الملك فهد لدراسات الشرق الاوسط.