قضت المحكمة الدستورية أمس بعدم دستورية الفقرة الثانية من المادة 13 من قانون الاتجار بالبشر لمخالفتها أحكام الدستور.

وقالت المحكمة، في حيثيات حكمها الذي أصدرته برئاسة المستشار يوسف المطاوعة، إن النص المطعون عليه يمنع القاضي من إصدار عقوبة الامتناع عن العقاب، مما يعد تقييدا للتقدير الممنوح للقاضي بإصدار عقوبة الامتناع عن العقاب، وهو ما يعد تدخلا محظورا من السلطة التشريعية في شؤون القضاء، وهو ما يصم المادة بعدم الدستورية.

Ad

وأوضحت المحكمة، ان النص في المادة (32) من الدستور على أنه «لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون ...»، وفي المادة (33) على ان «العقوبة شخصية» وفي المادة (34) على أن «المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تؤمن له فيها الضمانات الضرورية لممارسة حق الدفاع...»، يدل على أن مبدأ شرعية الجريمة والعقوبة الذي يخول المشرع، بموجب سلطته التقديرية- التي يمارسها وفقا للدستور- الحق في بيان الجرائم وتحديد العقوبات التي تناسبها، يفرض عليه- في الوقت ذاته- عدم الإخلال بالضوابط والضمانات الاساسية التي كفلها الدستور، والتي تمثل ضابطاً لصون الحقوق على اختلافها، بما لا يفضي الى نقضها او الانتقاص منها.

وتابعت «فلا يجوز للمشرع في مجال مباشرة سلطته في تحديد العقوبة أن ينال من الحد الأدنى لحق المتهم في محاكمة قانونية منصفة يطمئن من خلالها الى توافر الضمانات المقررة له بالدستور، ومنها شخصية العقوبة، وتناسبها مع الجريمة، وارتباطها بشخص الجاني ونيته، والضرر الناجم عنها، حتى يَرد الجزاء موافقا لما قارفه».

وأضافت «وحيث ان العقوبة التي يحددها المشرع في شأن جريمة معينة حدد أركانها إنما يرتبط تقديرها بعوامل موضوعية تتصل بالجريمة في ذاتها، وبعناصر شخصية تعود الى مرتكبها، وكان تقدير هذه العناصر جميعها أمرا يتولاه القاضي بمقتضى سلطته في مجال تفريد العقوبة. فالأصل في العقوبة هو تفريدها لا تعميمها».

وذكرت «ولذا فإن تقرير الخروج عن هذا الأصل- أيا كانت الأغراض التي يتوخاها المشرع من ذلك- مؤداه التسليم بأن ظروف الجناة قد تماثلت بما يقتضي توحيد العقوبة التي توقع على كل منهم، وهو الأمر الذي تفقد معه العقوبة تناسبها مع ظروف الجريمة وملابساتها وسمات الجاني الشخصية، بما مؤداه توقيع عقوبة في غير ضرورة تمليها مصلحة اجتماعية لها اعتبارها».

وبينت أنه «اذا كانت مشروعية العقوبة من الناحية الدستورية مناطها أن يباشر كل قاض سلطته في مجال التدرج بها، وتجزئتها، والتقرير بالامتناع عن النطق بها، أو الامر بوقف تنفيذها في الحدود المقررة قانوناً، فإن حجب القاضي عن ممارسة هذه السلطة التقديرية وحرمانه من مباشرة حقه في هذا الشأن هو افتئات على عمل السلطة القضائية، واعتداء على استقلالها، وتعطيل لدورها، من شأنه أن يخل بالحقوق المرتبطة بالوظيفة القضائية، ويعد انتهاكا لمبدأ فصل السلطات المنصوص عليه في الدستور».

وأضافت «وبالتالي فإن السلطة التقديرية التي يباشرها القاضي في مجال تفريد العقوبة يتعين أن تشمل لزوما حقه في التقرير بالامتناع عن النطق بالعقاب مراعاة لظروف الجريمة وملابساتها وسمات الجاني الشخصية طبقاً للمادة (81) من قانون الجزاء».

وقالت «وحيث إنه لما تقدم، وكان النص المطعون فيه قد منع القاضي من استعمال سلطته التقديرية في تقرير الامتناع عن النطق بالعقاب، فإنه يكون بذلك قد أهدر جوهر الوظيفة القضائية في شأن الجريمة محل الدعوى الجزائية، وأخل بنظام التقاضي، وأهدر ضوابط المحاكمة المنصفة للمتهم في مجال فرض العقوبة، كما يمثل هذا الامر تدخلاً محظوراً من السلطة التشريعية في شؤون القضاء، مما يصم ذلك النص بعيب مخالفته لأحكام المواد (34) و(50) و (163) من الدستور، ومن ثم فقد حق القضاء بعدم دستورية النص المطعون فيه فيما تضمنه من عدم جواز التقرير بالامتناع عن النطق بالعقاب بالنسبة لأي من الجرائم المنصوص عليها في القانون رقم (91) لسنة 2013 في شأن مكافحة الاتجار بالأشخاص وتهريب المهاجرين».