ماذا ينتظر «الأطلسي» في تحالفات القوى الجديدة؟

نشر في 12-04-2019
آخر تحديث 12-04-2019 | 00:02
ينس ستولتنبرغ و الجنرال أيزنهاور و بوتين
ينس ستولتنبرغ و الجنرال أيزنهاور و بوتين
في الذكرى السنوية السبعين لتأسيسه وصف السكرتير العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ هذا التكتل العسكري بالقوة التي تعجز جيوش اليوم عن احتوائها أو ردعها.

ويخالف هذه النظرة شخص واحد على الأقل في واشنطن وهو الرئيس دونالد ترامب، وعلى الرغم من تأكيد وزارة الخارجية الأميركية أن «التزام الولايات المتحدة نحو حلف شمال الأطلسي يظل ثابتاً وراسخاً» فإن مستقبل هذا التحالف ليس مؤكداً، كما أن احتفالات الذكرى السنوية السبعين الأخيرة كانت خافتة الى حد ما.

وعندما تشكل حلف شمال الأطلسي قبل سبعة عقود كان العالم مختلفاً تماماً وقد تقدم الاتحاد السوفياتي في أوروبا الوسطى وكانت دول أوروبا الغربية لا تزال في مرحلة التعافي من تبعات الحرب العالمية الثانية، وقد حذر وزير الخارجية الأميركي دين أتشيسون من أن الولايات المتحدة ستساعد دول أوروبا الغربية، ولكن ليس بصورة دائمة، وعندما سُئل من قبل الكونغرس إذا كانت الولايات المتحدة سترسل عدداً كبيراً من الجنود الى القارة الأوروبية على شكل مساهمة دائمة أكد أنها لن تفعل ذلك. وحتى دوايت أيزنهاور وهو أول قائد أميركي لقوات حلف شمال الأطلسي ورئيس الولايات المتحدة في فترة لاحقة حذر من أن مثل تلك «الحامية الأميركية» يمكن أن تضعف جهود تطوير القوة العسكرية الضرورية في الدول الأوروبية الغربية والتي يتعين عليها القيام بذلك بنفسها.

وتجدر الإشارة إلى أن حل حلف وارسو وانهيار الاتحاد السوفياتي في سنة 1991 وضعا مستقبل حلف شمال الأطلسي في دائرة الشك وعدم اليقين.

ثم قرر الحلف البقاء على صلة بطريقتين: الأولى توسيع عضوية الحلف بحيث تشمل الدول التي كانت تدور في فلك الاتحاد السوفياتي السابق، والثانية هي القيام بأنشطة في دول من خارج التحالف.

وقد استمرت هذه العملية كما أن تضامن التحالف دفع أوروبا الى خوض معركة طويلة جداً في أفغانستان ودفع الولايات المتحدة الى تورط في ليبيا.

وازداد التوسع بصورة كبيرة وأضاف التحالف في الآونة الأخيرة مونتينيغرو ومقدونيا الشمالية الى قائمة الدول على الرغم من أن الدولتين لا تواجهان تهديدات واضحة، كما أنهما لا تشكلان إسهاماً جدياً في الدفاع عن أوروبا.

ونتيجة لذلك يدعو بعض المحللين حلف شمال الأطلسي «التحالف العالمي» بهدف حماية معظم العالم إن لم يكن كله.

وتباين مساهمات الحلفاء سبب احتكاكاً مستمراً، وفي عام 2011 حذر وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس من وجود تراجع في شهية وصبر الكونغرس الأميركي إزاء إنفاق المزيد من المال نيابة عن دول لا ترغب في تخصيص الموارد الضرورية، أو القيام بدور الشريك في عمليات الدفاع.

ولسوء الحظ كانت مجادلات مشاطرة الأعباء غير منتجة كما كانت الدول الأوروبية تتوقع أن تسارع الولايات المتحدة الى إنقاذ الحلفاء في أي أزمة، ولذلك كانوا لا يرون سبباً للإنفاق من ميزانياتهم بغية تحسين القدرة العسكرية، وخصوصا في أوقات الأزمات الاقتصادية في بلادهم.

وعلى الرغم من ذلك كان المسؤولون الأميركيون الذين اشتكوا من إهمال الدول الأوروبية في جهود الدفاع هم أنفسهم الذين أكدوا لأولئك الحلفاء استمرار الالتزام الأميركي نحوهم، وقد مضت واشنطن إلى حد تشكيل مبادرة الضمان الأوروبية التي أعيدت تسميتها في الآونة الأخيرة لتصبح مبادرة الردع الأوروبية، وذلك بغية زيادة عدد القوات الأميركية في دول أوروبا الشرقية.

وأوروبا ليست حقاً في حاجة الى دعم عسكري أميركي، وذلك على الرغم من مجادلة خبراء في مؤسسة هيريتيغ ليوك كوفي ودانييل كوتشيس في أن صعود روسيا يجعل حلف شمال الأطلسي مهماً تماماً بالنسبة الى استقرار أوروبا، وذلك خطأ لأن أوروبا تضاهي الولايات المتحدة في اقتصادها، وتملك عدداً كبيراً من السكان، وفي غضون ذلك تنفق الدول الأوروبية مجتمعة ما يعادل أربعة أضعاف ما تنفقه روسيا على قواتها المسلحة.

ومن الواضح أن العمل الجماعي يمكن أن يكون صعباً ويتعين على الحكومات الأوروبية أن تكون أكثر براعة في إنفاقها، وعلى أي حال، فإن وضعية الضرورة الملحة ستتجاوز الكثير من هذه المشاكل، ولكن لا وجود لمثل تلك الحالة، وقلة من الدول الأوروبية فقط تشعر بالحاجة الى إنفاق المزيد من المال لمواجهة التهديد العسكري.

احتمالات العدوان الروسي

من جهة أخرى تبدو أجزاء من أوروبا- وخصوصا عند أطراف حلف شمال الأطلسي– أكثر قلقاً إزاء احتمال تعرضها لعدوان روسي، ولكن حتى إذا أراد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين– وعلى الرغم من متاعب بلاده الاقتصادية– استهداف دول البلطيق أو بولندا فإنه سيتعرض لعزلة اقتصادية أشد قسوة إضافة الى ضربة عسكرية انتقامية مؤكدة. ثم إن الأقلية الروسية في دول البلطيق لا تتطلع الى موسكو لحمايتها وقد أظهرت اهتماماً طفيفاً فقط في تأمين حكم موسكو، وتاريخ بولندا يظهر عداوة من جانب السكان إذا تعرضوا لغزو.

وبحسب مايكل كوفمان وهو باحث في «سي إن إيه» ربما كان ذلك هو سبب عدم نشر القوات العسكرية الروسية للقتال في منطقة البلطيق، وكتب كوفمان في سنة 2017 يقول «على الرغم من الأنشطة الاستفزازية الجوية والبحرية التي تركزت في تلك المنطقة فإن القوات الروسية المتمركزة هناك دفاعية بشكل أساسي وعتيقة الأسلحة والتجهيزات بصورة جلية»، ويمكن لهذا الوضع أن يتغير طبعاً ولكن أي هجوم سيتطلب إعادة نشر ضخمة ولن تكون هناك عملية سهلة.

وضع جورجيا وأوكرانيا

وبالنسبة إلى النزاعات الروسية في جورجيا وأوكرانيا فإنها تبدو مهددة أيضاً لكنها دفاعية الطابع والغرض بشكل أساسي، أي منع الدولتين من الانضمام الى حلف شمال الأطلسي وحماية القاعدة التاريخية في سيفاستيبول، وقد أظهرت معلومات دبلوماسية حديثة أن لدى موسكو أسباباً وجيهة للشعور بالتعرض الى الخيانة من خلال الحديث عن توسيع التحالف.

ولا يمكن تبرير تصرفات موسكو طبعاً، ولكن إذا وسعت روسيا حلف وارسو الى أميركا اللاتينية وعملت على إعداد انقلاب في مكسيكو سيتي وعرضت دفع تلك الدولة الى تحالف ضد الولايات المتحدة فإن واشنطن ستستاء بالمثل، وهو ما تبين من ردة فعل واشنطن الحادة إزاء وصول قوات روسية الى دولة أكثر بعداً مثل فنزويلا.

وفي ضوء حجم أوروبا وقوتها الاقتصادية والافتقار الى الخطر الواضح والحالي فقد حان الوقت لإنهاء أوهام تشاطر الأعباء.

● دوغ بانداو

back to top