صراع احتكار الثروة وتدويرها!
إن ما يطفو على السطح من تراشق إعلامي حول مشروع 2035 بما يحمله من مضامين منها مدينة الحرير وخطة تطوير الجزر، هو مجرد رأس جبل الجليد لصراع كبير قادم ويحمل دلالات خطيرة من شأنها تغيير ملامح البلد وإعادة رسم هيكليتها وفلسفتها السياسية وتوزيعات القوة والنفوذ فيها، وبمعنى آخر نحن على أعتاب معركة وجودية صريحة سوف تكشف الأيام القادمة حجمها ودرجة شراستها.ويجب أن نقولها بكل صراحة ودون رتوش فإن المواجهة المحتدمة حالياً هي بين الشيخ ناصر صباح الأحمد من جهة، وجبهة كبار التجار التقليديين وبكل أدواتها الإعلامية والسياسية والاقتصادية من جهة أخرى، أما جوهر الصراع فيتمثل بكيفية إدارة الثروة ومن يتحكم في أصولها ويرسم سياساتها، وخططها والأهداف المرجوة منها، والأهم من ذلك طريقة استغلالها لبسط النفوذ السياسي على مفاصل الدولة.
فمنذ التحرير انتهت فلسفة توزيع الثروة واستثمارها، وتم استبدالها بفلسفة احتكار هذه الثروة وإدارتها، وبدأت الخطوات الكبرى في هذا الاتجاه مع بداية الألفية الجديدة فيما يعرف بالمشاريع الكبرى وسياسة الخصخصة ومحاولات جباية الرسوم والضرائب والحزم المتكررة لما يعرف بالإصلاح الاقتصادي في ملف ضخم استلمه كبار التجار بالتحالف مع الحكومة لتهميش القوى السياسية، وبروز قوى مجتمعية جديدة، بل زاد إصرار النخبة التجارية على احتواء الحكومة، بل ابتزازها بعد تراجع أسعار النفط وتنامي الحراك السياسي والتسويق لنفسها بأنها الحصن الحصين للسلطة في وجه التحديات القائمة والمستقبلية.وساهم ضعف الحكومة ورموزها وأحياناً الطمع في اقتسام نسبة من عوائد هذا الكنز الكبير في حماية هذه النخبة وتحصينها، وهذا ما تجلى في ترسية المناقصات المليارية على مجموعة صغيرة من الشركات وحمايتها من المساءلة عند فشلها أو تأخيرها في التنفيذ أو مضاعفة مبالغ إنجازها تحت غطاء الأوامر التغييرية، وأخيراً فرض طوق كبير على الدوائر الرقابية عليها بدءاً بمجلس الأمة الذي تم إفراغه تماماً من صلاحياته الدستورية، وفي مقدمتها الاستجوابات وتمرير القوانين المناسبة للنخبة، وانتهاءً بوقف الصحف والمحطات الفضائية المتصدية لهم، وملاحقة حتى الأفراد من المغردين والنشطاء قانونياً عند إثارة الفضائح المالية المتعلقة بذلك.دخول الشيخ ناصر صباح الأحمد، وبما يمثله من وزن سياسي إضافة إلى الرؤية الاقتصادية الجديدة ومنظوره الشخصي فيها، قد يكون أكبر تحدّ لخريطة السياسة والثروة الحالية، بل قد يكون الوسيلة الوحيدة المتاحة بعد تشتت وضياع المشهد السياسي وأفول رموزه، لفرض نموذج جديد من الأعلى إلى الأسفل، بل إن المعلومات كانت تشير إلى تغيير الواقع السياسي بما في ذلك حل مجلس الأمة وإجراء انتخابات جديدة يتولى بعدها الشيخ ناصر موقعاً أعلى في الحكومة، وذلك قبل سنة تقريباً، ولكن ظروفه الصحية فرضت تأجيل مثل هذا القرار.رؤية 2035 بحد ذاتها لا تزال غامضة في أهدافها وتفاصيلها وإطارها الدستوري والقانوني، وهذا هو المدخل الوحيد لانتقادها، وبما أن النخبة التجارية المهددة في الدرجة الأولى من هذه الرؤية فقد حركت أسطولها مبكراً، وبما تملكه من مقومات القوة الإعلامية والنفوذ السياسي، وحتى أصوات عالية في مجلس الأمة، حتى "تتغدى بالشيخ قبل أن يتعشى فيهم"، وقد تكون لنا وقفات أخرى بتفاصيل أكثر لأن المعركة ما زالت في بداياتها، والشعب المسكين يقف موقف المتفرج فيها لا غير!