جيش السودان يستولي على الحكم والمعارضة ترفض «الانقلاب»

بن عوف يعلن «اقتلاع» البشير والتحفظ عليه وتشكيل مجلس عسكري بقيادته لإدارة مرحلة انتقالية عامين
«تجمع المهنيين» يعتبر أن النظام يحاول سرقة الثورة ويدعو ضباط الجيش إلى الوقوف مع الشعب
● مصر: ندعم خيارات السودانيين وإرادتهم

نشر في 12-04-2019
آخر تحديث 12-04-2019 | 00:05
 متظاهرون يحتفلون بالإطاحة بالبشير في الخرطوم أمس	(أ ف ب)
متظاهرون يحتفلون بالإطاحة بالبشير في الخرطوم أمس (أ ف ب)
أطاح الجيش السوداني الرئيس عمر البشير وأعلن اعتقاله واحتجازه «في مكان آمن»، بعد أربعة أشهر من احتجاجات شعبية طالبت بتنحيه، لكن المعارضة رفضت «البيان الانقلابي»، ودعت إلى التمسّك بالميادين ومواصلة التظاهرات إلى حين تسليم السلطة لحكومة انتقالية مدنية.
بعد أشهر من الاحتجاجات ضد حكم الرئيس السوداني عمر البشير المستمر 30 عاماً في دولة تعداد سكانها 40 مليون نسمة، أعلن الجيش «اقتلاع النظام وتعطيل الدستور وفرض حال الطوارئ» وتسلم الحكم مدة عامين، الأمر الذي رفضته المعارضة، مؤكدة أنها لن تقبل أي «انقلاب عسكري» جديد يعيد إنتاج أزمات السودان.

وفي بيان حمل الرقم 1، وتلاه الساعة الثانية والنصف من بعد ظهر أمس، قال وزير الدفاع الفريق أول عوض بن عوف عبر التلفزيون الرسمي: «أعلن أنا وزير الدفاع اقتلاع ذلك النظام والتحفظ على رأسه في مكان آمن».

وذكر أن «اللجنة الأمنية العليا قرّرت تعطيل الدستور وفرض حال الطوارئ وحل مؤسسة الرئاسة وحل مجلس الوزراء وتكليف الوزراء تسيير الأعمال وحل المجلس الوطني وحكام الولايات ومجالسها التشريعية»، وأكد «تأمين المؤسسات الحيوية والمرافق الحيوية والخدمات بكل أنواعها».

وتضمّنت قرارات اللجنة «تشكيل مجلس عسكري انتقالي يتولّى إدارة الحكم فترة مدتها عامان، وإعلان حال الطوارئ مدة ثلاثة أشهر، وفرض حظر للتجوال مدة شهر من العاشرة مساء وحتى الرابعة صباحاً، مع إغلاق أجواء البلاد مدة أربع وعشرين ساعة وجميع المعابر الحدودية حتى إشعار آخر».

وقال إن «اللجنة الأمنية العليا التي تدير الأزمة تتابع منذ فترة ما يجري في البلاد من سوء إدارة وفساد وانعدام الأمل في تساوي الفرص بين أبناء الشعب الواحد وانسداد للأفق».

وتابع «الشعب السوداني تحمل وصبر طويلاً على سوء الحكم وأن النظام السابق ظل يردد الأكاذيب ويقمع الاحتجاجات».

وكشف أن اللجنة «قامت بوضع الكثير من البدائل لكنها اصطدمت بإصرار النظام على الحلول الأمنية رغم قناعة الكل باستحالة ذلك».

واشار إلى أن الشباب خرجوا في تظاهرات سلمية منذ 19 ديسمبر وحتى الآن، وأكد اعتذار اللجنة الأمنية على سقوط الضحايا، مشدداً على إدارة الأزمة بكل كفاءة ومهنية.

وقال بن عوف: «لقد تابعتم التظاهرات قرب مقر القيادة العامة للجيش، وتمسك النظام بالمعالجة الأمنية التي كانت تنذر بخسائر لا يعلم مداها إلا الله».

تجمّع المهنيين

في المقابل، رفض المحتجون «البيان الانقلابي» للجيش ودعوا الى مواصلة الاعتصام.

وأوضح بيان مشترك صادر عن «تجمع المهنيين» وتحالفات أحزاب «نداء السودان» و«الإجماع الوطني» و«التجمع الاتحادي الديمقراطي»: «إننا نرفض ما ورد في بيان انقلابيي النظام هذا الذي يعيد ذات الوجوه والمؤسسات التي ثار شعبنا العظيم عليها، ويسعى من دمروا البلاد وقتلوا شعبها الى أن يسرقوا كل قطرة دم وعرق سكبها السودانيون في ثورته التي زلزلت عرش الطغيان، وندعو شعبنا العظيم للمحافظة على اعتصامه الباسل أمام مباني القيادة العامة للقوات المسلحة وفي بقية الأقاليم». وأضاف أن «حكم عمر البشير جاء بانقلاب عام 1989 وهو سبب الأزمة المزمنة للسياسة السودانية»، مشيراً إلى أنه «لا حل للأزمة سوى بتسليم السلطة لحكومة مدنية يتم التوافق عليها وفق ميثاق إعلان الحرية والتغيير».

وشدد على التمسك بالميادين واستمرار الاعتصام حتى تحقيق أهداف الثورة المنشودة.

وناشد تجمع المهنيين الذي يقود الحراك «جميع ضباط وضباط صف وجنود قوات شعبنا المسلحة الشرفاء، وإلى الذين انحازوا إلى الشعب وتصدوا ببسالة تاريخية لمحاولات النيل من المعتصمين في القيادة العامة، وقدموا شهداء سطر التاريخ اسماءهم بالذهب».

من ناحيتها، رفضت نائبة رئيس «حزب الأمة» المعارض القومي الاسلامي، مريم الصادق المهدي، أمس، أي محاولة لإعادة إنتاج النظام القديم.

وأضافت المهدي أن «حزب الأمة يطالب بسلطة مدنية عبر انتقال سلمي»، مشيرة إلى أن الاعتصامات مستمرة ومتواصلة إلى حين تحقيق مطالب الشعب.

ودعا حزب المؤتمر السوداني المنشق عن النظام إلى تشكيل مجلس مدني ــ عسكري لإدارة مرحلة انتقالية مدة 4 أعوام.

بيان مهم

وكان التلفزيون الرسمي أعلن صباحاً أن القوات المسلحة ستذيع بيانا مهماً لكنه تأخّر حتى بعد الظهر «بسبب خلافات بين الضباط» على ما أفادت وكالة «الأناضول»، بينما انتشرت قوات أمنية في أنحاء الخرطوم.

ودخلت مجموعة من ضباط الجيش مبنى الإذاعة والتلفزيون وضمّوا جميع الموجات. وأفادت مصادر بحصول اجتماع لقيادة أركان الجيش من دون حضور البشير.

وبثّت الإذاعة السودانية أناشيد وطنية منذ الصباح، وهذا غالباً ما كان يحدث في البلاد قبيل أي تنحي وتغيير في السلطة.

أفادت وكالة «سبوتنيك» الروسية بصدور تعليمات بإخلاء العاملين في قصر الرئاسة.

اعتقالات

وحسب تقارير إعلامية، جرى اعتقال أكثر من 100 شخصية مقربة من البشير، بينهم رئيس الحكومة محمد طاهر أيلا ووزير الدفاع السابق عبدالرحيم محمد حسين، ورئيس حزب «المؤتمر الوطني» الحاكم المكلف أحمد هارون، والنائب الأول السابق للبشير علي عثمان محمد طه، وبكري حسن صالح النائب الأول السابق للبشير، واعتقال عدد من قيادات الصف الأول في حزب «المؤتمر الوطني» الحاكم.

وأكدت «العربية»، أنه تم اقتحام منزل مساعد رئيس الجمهورية السوداني عوض الجاز.

وأفادت أنباء، باعتقال الحرس الخاص بالبشير وهم يقبعون تحت المراقبة المكثفة.

ونقلت وكالة «الأناضول» عن مصادرها، أن مدرّعات الجيش حاصرت منازل أشقاء البشير في ضاحية كافوري بمدينة بحري شمال الخرطوم، بينهم محمد حسن البشير، المتهم من قبل المعارضين بأنه رأس الفساد في البلاد، والمتحكم في الصفقات المالية والحكومية ويملك عدداً من الشركات في قطاعات البترول والصناعة والتجارة.

وأفاد شهود بأن مجموعة من الجنود داهمت صباحاً مركز «الحركة الإسلامية» المرتبطة بـ«حزب المؤتمر الوطني» الحاكم في الخرطوم.

مهاجمة المخابرات

وهاجم متظاهرون مركزاً لجهاز الأمن والمخابرات النافذ في مدينة كسلا في شرق السودان، ومقراً للجهاز في مدينة بورتسودان في الشرق أيضاً.

الى ذلك، أصدر الجيش قرارا، أمس، بإطلاق جميع المعتقلين السياسيين والمتظاهرين في البلاد، الامر الذي أكده جهاز الأمن والمخابرات.

لكن مصادر مطلعة أكدت لـ«الأناضول»، أمس، خلو قائمة الاعتقالات من اسم مدير الأمن والمخابرات صلاح قوش، ما يشير إلى دوره القوي والمحتمل طوال سنوات حكمه الماضية في التغيير الذي جرى أمس.

وسبق أن اعتقل قوش لمشاركته في انقلاب نوفمبر 2013، الذي أعلنت عنه الرئاسة حينها.

واندلعت التظاهرات في 19 ديسمبر رداً على قرار الحكومة رفع أسعار الخبز ثلاثة أضعاف. ثم تحوّلت إلى حركة احتجاجية في كلّ أنحاء البلاد، وخرجت تظاهرات غير مسبوقة في أنحاء عدة في البلاد.

وبقي البشير متمسّكاً بموقفه، وفرَضَ سلسلة إجراءات مشدّدة شملت إعلان حال الطوارئ في أنحاء البلاد، اعتُقل على أثرها صحافيّون وناشطون.

مواقف

وفي أنقرة، أعرب الرئيس التركي رجب طيب إردوغان عن أمله في أن يعبر السودان المرحلة الراهنة بـ «سلام ومصالحة وطنية»، مؤكداً أن لدى أنقرة والخرطوم علاقات «متجذرة في التاريخ».

وفي موسكو، أعرب الكرملين أمس، عن أمله في عودة سريعة للهدوء و«النظام الدستوري» في السودان.

وقال الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف للصحافيين «نحن نتابع الوضع عن كثب ونأمل ألا يكون هناك تصعيد للوضع يمكن أن يؤدي إلى سقوط قتلى بين السكان المدنيين».

وفي بروكسل، دعا الاتحاد الأوروبي، أمس، إلى التوصل إلى عملية «سياسية سلمية ذات مصداقية وشرعية شاملة» تتوافق مع تطلعات الشعب السوداني بما يضمن تحقيق الاصلاح السياسي والاقتصادي الذي ينشده.

وقالت الناطقة باسم الممثلة العليا للسياسة الخارجية والأمنية بالاتحاد مايا كوسيغانسيك خلال مؤتمر صحافي «إننا نراقب عن كثب الوضع في السودان في ظل التطورات التي تشهدها البلاد»، داعية «جميع الأطراف إلى ضبط النفس وعدم اللجوء عن العنف».

مصر: ندعم خيارات السودانيين وإرادتهم

أعلنت وزارة الخارجية المصرية، في بيان أمس، أن القاهرة «تتابع عن كثب وببالغ الاهتمام التطورات الجارية والمتسارعة التي يمر بها السودان الشقيق في هذه اللحظة الفارقة من تاريخه الحديث، وتؤكد في هذا الإطار دعم مصر الكامل لخيارات الشعب السوداني الشقيق وإرادته الحرة في صياغة مستقبل بلاده، وما سيتوافق حوله الشعب السوداني في تلك المرحلة المهمة».

وأعربت عن ثقتها الكاملة «بقدرة الشعب السوداني الشقيق وجيشه الوطني على تجاوز تلك المرحلة الحاسمة وتحدياتها، بما يحقق ما يصبو إليه من آمال وطموحات في سعيه نحو الاستقرار والرخاء والتنمية».

ودعت «المجتمع الدولي الى دعم خيارات الشعب السوداني، وما سيتم التوافق عليه في هذه المرحلة التاريخية الحاسمة»، مناشدة «الدول الشقيقة والصديقة مساندة السودان ومساعدته على تحقيق الانتقال السلمي نحو مستقبل أفضل، بما يحقق الطموحات المشروعة لشعبه الكريم».

back to top