الشعب السوداني من أطيب شعوب الأرض وأكثرها خُلقاً وصبراً، ولو كان لي من أمر بالجغرافيا وكان لابد للكويت أن تكون في العالم العربي، لتمنيتها أن تكون جارة للسودان والمغرب، مع بقاء جيرتنا على حالها مع السعودية شقيقتنا الكبرى، فهي عمقنا الاستراتيجي الغزير الممتد عبر التاريخ والأزمات والتجارب المشتركة.بعد الغزو العراقي الغاشم، انقطعت علاقاتنا بالشعب السوداني الشقيق، نتيجة لموقف القيادة السودانية المشين التي استمرت تتولى مقاليد الحكم هناك حتى يوم أمس، فمن غدر بإرادة شعبه الديمقراطية الحرة لا يستغرب موقفه الغادر من الحق الكويتي، وعلى أثر ذلك تحمل الشعب السوداني الشقيق ثمن هذا الموقف من القطيعة، رغم اعتراض أطياف كثيرة منه عليه، وكان بذلك كحال الشعب اليمني الشقيق الذي ملأت مظاهراته شوارع عدن نصرة للحق الكويتي، بينما كان صالح يصافح صدام في بغداد.
هذا النظام البائس رحل أخيراً، بعد حركة احتجاج سلمي طويلة نسبياً كانت أقل زخماً وضجيجاً عن أخواتها، عانت كثيراً من التهميش والتجاهل الإعلامي، حتى اقترب موعد نجاحها فلم يعد بالإمكان تجاهلها والصد عنها، فهذه ثورة غير مرغوب فيها من جميع الأطراف عدا الشعب السوداني، وهو الأهم، وهذا ما سيعطي هذه الثورة وضعاً تاريخياً مختلفاً، كونها نجحت بلا مؤثرات خارجية كغيرها، فحتى من أزعجونا أثناء الموجة الأولى من الربيع العربي بالشعارات عن حقوق الشعوب وضرورات التغيير والفساد المتفشي والأنظمة الوظيفية وينبغيات المستقبل، أغمضوا أعينهم وبلعوا ألسنتهم وأكلوا تغريداتهم وأطفأوا أقمارهم الصناعية عندما وصلت الثورة للسودان، فهذه ثورة مزعجة تذكرهم بأنفسهم وبما يحاولون نسيانه أو إخفاءه، فالبشير تقلد السلطة في السودان بعد انقلاب عسكري على حكم ديمقراطي شرعي منتخب، وذلك بالتحالف مع الإخوان المسلمين ممن أدوشونا لاحقاً بالشرعية في مصر وكأنهم أول مرة يكونون طرفاً في انقلاب على شرعية ما، بينما هم أول من انتهكها في العالم العربي قبل ٣٠ عاماً، فربما لو أنهم احترموا أنفسهم واحترموها آنذاك لاحترمتهم لاحقاً، كما أن ما نحارب من أجله هنا موجود هناك وسيفشل كذلك، فنظام البشير يعد نفسه ويعدونه نظاماً إسلامياً، مما ورط معه الإسلاميين بأطيافهم، وخصوصاً الإخوان والراديكالين أصحاب النظريات الترقيعية والكلام الكبير الذي غالباً بيد حتى هم لا يفهمونه، فها هو شعب عربي مسلم أصيل يثور ضد نظام عسكري إسلامي يطبق الشريعة ويجلد ويقطع ويرجم، وليس علمانياً أو وراثياً، كما اعتادوا. أسقط في يد الجماعة، ونجحت الثورة السودانية رغماً عنهم وعن تناقضاتهم ونفاقهم.
أخر كلام
نقطة : التاريخ لم يبدأ أمس
12-04-2019