على مدار نحو ساعتين، تابع ملايين المشاهدين حول العالم، الحلقة المثيرة التي أذيعت على الهواء مباشرة في السابع من أبريل الجاري، لعملية فتح توابيت أثرية تحتوي على مومياوات فرعونية، في جبّانة أثرية تقع بمحافظة المنيا جنوب القاهرة، وتعود إلى عهد الأسرة الفرعونية الـ26.فتح التوابيت كل من مقدم البرنامج كريس جابوكس، والمكتشف جوش غاتس، في حضور وزير الآثار المصري الأسبق زاهي حواس، وذلك في إحدى الغرف الأثرية ضمن شبكة واسعة من الأنفاق والحجرات التي تضم نحو 40 مومياء أخرى، تعود إلى الصفوة والنبلاء في عصر الفراعنة، وخلال الحلقة تم كشف النقاب عن مومياء كاهن كبير يعود عمرها إلى نحو 2500 عام.
واحتوى أحد التوابيت على مومياء كاهن كبير محفوظة جيدا، وملفوفة بقماش الكتان ومزينة برسم ذهبي يُصوِّر الإلهة المصرية القديمة إيزيس، واحتوى الثاني على مومياء لأنثى مزينة بالخرز الأزرق، بينما ضم الأخير مومياء لأب في مقبرة عائلية، كما تم العثور على رأس للكاهن مصنوع من الشمع. واكتُشف الموقع منذ عام ونصف العام، ولا تزال أعمال التنقيب مستمرة فيه، ودافع حواس عن الحلقة التي صورتها "ديسكفري"، قائلا: "ترتب على تغطية قناة ديسكفري فوائد عدة، منها أنه تم الترويج للآثار المصرية في 95 دولة حول العالم نقلت الحدث عنها، كما أن حق الإعلان كان بمبالغ كبيرة".ولفت حواس إلى أن فتح التابوت على الهواء في القناة تم بتنسيق مسبق واتفاق بينها وبين الجهات المعنية، وتابع: "الاكتشاف هدفه إعادة السياحة للدولة المصرية".وعقب إذاعة الحلقة، تباينت الآراء بشأنها، وعكست تعليقات رواد مواقع التواصل الاجتماعي هذا الجدل، فبينما رحب قطاع عريض بالفكرة، واعتبروا أنها تسهم في إلقاء الضوء على الآثار المصرية، وبالتالي تنشيط السياحة، ذهب البعض إلى أن ما حدث هو عبث بجثامين موتى، وهو أمر ترفضه كل الشرائع والأعراف والأخلاق.بدورها، استطلعت "الجريدة" رأي باحث المصريات الشهير، بسام الشماع، لكونه أطلق قبل سنوات حملة لعودة المومياوات إلى أماكنها الأصلية، وقال: "أرفض تماماً مع حدث من جانب قناة (ديسكفري) بموافقة مسؤولين مصريين في مجال الآثار"، وتابع: "ليس معقولاً أن تكون آثارنا مستباحة بهذا الشكل المُهين لأجدادنا الفراعنة"، مؤكداً أن ما حدث "انتهاك لحرمة الموتى".وأوضح الشماع: "في عام 2007 أطلقت حملة (العودة إلى الأبدية) تنادي بعودة المومياوات في جنازة مهيبة من التحرير (يقصد المومياوات المعروضة في المتحف المصري بميدان التحرير في وسط القاهرة) إلى مقابرها في وادي الملوك بمدينة الأقصر (أقصى جنوب مصر)"، وانتقد مجرد فكرة عرض المومياوات، مستشهداً بمتحف مانشستر في إنكلترا الذي أجرى استبياناً لرواده بسؤالهم: هل تقبلون عرض المومياوات (كجسد ملفوف بالكتان) أم عرضها عارية؟، بينما نحن لا نكترث بحُرمة أجساد أجدادنا المصريين، على حد قوله.وأضاف الشماع: في عام 2013 أردت أن أعرف رأي الدين في مسألة عرض أجساد الفراعنة، وتقدمت بطلبت رسمي إلى دار الإفتاء المصرية للحصول على فتوى، وحينها قالوا لي إن هذا الموضوع جديد، والبت فيه يستغرق وقتاً، فذهبت إلى لجنة الفتوى التابعة لمشيخة الأزهر الشريف، لكنني لم أتلقّ رداً أيضاً، وهنا لجأت إلى وسائل الإعلام، ومن خلالها تم التواصل مع عضو مجمع البحوث الإسلامية محمد الشحات الجندي، وجاء رده قاطعاً بأن "عرض المومياوات لا يجوز".ولم يكتف الشماع برأي الجندي، حيث بحث في "فتاوى شيخ الأزهر الأسبق جاد الحق علي جاد الحق"، ليجد فتوى صريحة في الجزء الرابع من الكتاب، تقول إن "عرض المومياوات حرام"، كما تواصل مع أستاذ العقيدة والفلسفة بكلية أصول الدين، عضو اللجنة العلمية الدائمة للعقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، د. محمد المسير، الذي أكد أن "عرض أجساد المتوفين لا يجوز أياً كانت ديانتهم". وعلى الدرب ذاته سار الأمين العام الأسبق للمجلس الأعلى للآثار د. عبدالحليم نورالدين، حيث قال في مناسبة حضرها عدد كبير من المرشدين السياحيين رداً على سؤال طرحه الشماع بشأن عرض المومياوات من عدمه، فجاء رد عالم الآثار الراحل واضحاً: "أنا ضد العبث بالمومياوات".
ملك ورئيس أغلقا غرفة المومياوات في المتحف المصري!
كانت غرفة المومياوات في المتحف المصري مغلقة في عهد ملك مصر فؤاد الأول (حكم مصر من 1917 إلى 1936) وهو القرار ذاته الذي اتخذه الرئيس الراحل محمد أنور السادات (حكم مصر من 1970 إلى 1981)، الذي كاد يصدر قراراً بإعادة المومياوات الفرعونية إلى قبورها، لولا وقفة المثقفين الذين نبهوه إلى خطورة القرار، وهو ما دفعه إلى التراجع، والاكتفاء بإغلاق قاعة المومياوات في المتحف المصري.