بعد أقل من 24 ساعة على أدائه اليمين وتسلّمه رئاسة المجلس العسكري الانتقالي في السودان، خلفاً لوزير الدفاع عوض بن عوف، قرر الفريق أول عبدالفتاح البرهان أمس إطلاق جميع الضباط الذين حموا المتظاهرين خلال اعتصام القيادة العامة وسط الخرطوم، وقَبِل استقالة مدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني الفريق أول محمد صالح قوش، الذي أشرف على حملة قمع واسعة قادها ضد المتظاهرين.

وأعقب البرهان قراراته بوعد بلقاء مع عدد من قادة قوى المعارضة، على رأسها أحزاب "الأمة القومي" و"الشيوعي" و"المؤتمر السوداني" و"الناصري" و"البعث"، بهدف بحث مسألة "تشكيل الحكومة المقبلة".

Ad

ويأتي هذا التطوّر المفاجئ بعد ساعات من سعي المجلس العسكري لتهدئة الغضب الشعبي بتعهده بأن تكون الحكومة الجديدة مدنية، إذ قال بن عوف في خطاب بثّه التلفزيون الرسمي مساء أمس الأول، "أعلن أنا رئيس المجلس العسكري الانتقالي التنازل عن هذا المنصب، واختيار من أثق بخبرته وكفاءته وجدارته لهذا المنصب، وأنا على ثقة بأنّه سيصل بالسفينة التي أبحرت إلى برّ الأمان". وأضاف أنه اختار الفريق أول عبدالفتاح البرهان عبدالرحمن رئيساً للمجلس العسكري الانتقالي خلفاً له.

كما أعلن إعفاء كمال عبدالمعروف، من منصبه نائبا لرئيس المجلس، من دون أن يذكر بديلا له.

حميدتي

في المقابل، وضع قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان حميدتي جملة من الشروط للمشاركة في المجلس الجديد. وقال في بيان "من الضروري اتخاذ جملة من الترتيبات التي تلبي تطلعات الشعب عبر حوار مع مختلف شرائح المجتمع"، داعيا الى وضع برنامج واضح لفترة انتقالية لا تزيد على 6 شهور، يتم خلالها تنقيح الدستور بواسطة لجنة صياغة تشارك فيها جميع قوى السودان، إضافة الى تشكيل مجلس انتقالي يكون التمثيل فيه عسكرياً وحكومة مدنية يتم الاتفاق عليها بواسطة الأحزاب وتجمع المهنيين ومنظمات المجتمع المدني".

وأشار حميدتي إلى أن "تكوين المجلس السابق مخيب لتطلعات وآمال الشعب في التغيير، فلماذا نبقى في ذات مربع الأزمة إذا كان تغيير النظام السابق بسبب رفض الشعب له؟"، ولاحقاً تم تعيين حميدتي نائباً لرئيس المجلس الانتقالي.

زين العابدين

وفي محاولة لطمأنة المجتمع الدولي، أكد عضو المجلس العسكري عمر زين العابدين، لدبلوماسيين عرب وأفارقة، أمس الأول، أن "دور المجلس حماية أمن واستقرار السودان، وما حدث "انحياز إلى جانب الشعب وليس انقلابا".

ولاحقا، قال زين العابدين: "سنفتح حوارا من كل الكيانات السياسية حول كيفية إدارة البلاد، وستكون هناك حكومة مدنية، ولن نتدخل في تشكيلها وسنبقى بعيدين"، مؤكدا أن المجلس العسكري مستعد للعمل "يدا بيد مع المتظاهرين لإيجاد حلول لمشاكل السودان".

وأضاف أن "المجلس لن يطرح أسماء لعضوية الحكومة"، مضيفا أن "وزير الدفاع سيكون من القوات المسلحة، وسنشارك في تعيين وزير الداخلية".

وردا على سؤال حول مصير "حزب المؤتمر الوطني" الحاكم، أجاب: "لن نقصي أحدا ما دام يمارس ممارسة راشدة".

وأكد من جهة أخرى أن "المجلس لن يسمح بأي عبث بالأمن"، مضيفا أنه لن يسلّم عمر البشير "الى الخارج".

وقال زين العابدين: "نحن كمجلس عسكري لن نسلّم الرئيس في فترتنا الى الخارج"، مضيفا: "نحن عساكر، نحاكمه بحسب قيمنا". وتابع: "نحن نحاكمه، لكن لا نسلمه".

«تجمّع المهنيين»

وما إن وردت أنباء استقالة بن عوف ونائبه، حتى انطلقت احتفالات صاخبة في شوارع الخرطوم ردّد خلالها المواطنون هتاف "سقط التاني!".

ورفع المواطنون صورا لأشخاص قتلوا أثناء الاحتجاجات، مردّدين هتافات من مثل "دم الشهيد ما راح، الليلة سقطت صاح".

إلا أن ذلك، لم يمنع الآلاف، أمس، من الانتظار أمام مقر قيادة الجيش توجيهات قادة الاحتجاجات.

وفي أول ردّ فعل على تنحي بن عوف، عبّر "تجمّع المهنيين السودانيين" رأس حربة الحركة الاحتجاجية التي تهزّ السودان منذ 4 أشهر وحلفاؤه في قوى الحرية والتغيير، عن رفضهم القاطع للبرهان، واعتبار أن ما تم "مجرد استنساخ للوجوه".

ودفع "التجمع" في بيان بـ "3 شروط لا تقبل المساومة أو التلاعب، وهي: ضمان عملية النقل الفوري للسلطة إلى حكومة مدنية انتقالية عبر المجلس القيادي لقوى إعلان الحرية والتغيير، وإلغاء أي قرارات تعسفية من قيادات لا تمثلها ولا تمثل الشعب، التحفظ على كافة رموز السلطة الماضية من المتورطين في جرائم ضد الشعب".

وأكد أن "تنحي بن عوف ونائبه كمال معروف بمنزلة انتصار للثورة ولإرادة الجماهير، وسنسقط كل شمولي يريد أن يتجبر ويختطف إرادة الشعب". وقال "التجمع" إن "الانقلابيين ليسوا أهلا لصنع التغيير".

وكرر في بيانه دعوته "المواطنين بالخروج للشوارع الآن، والتوجه إلى ساحات الاعتصام أمام القيادة العامة لقوات شعبنا المسلحة ومقار حامياتها ووحداتها المختلفة، والبقاء في سوح الاعتصام طوال الليل وعدم مبارحتها".

من جهة أخرى، أعلن الناطق باسم الشرطة، اللواء هاشم عبدالرحيم أن 16 شخصاً قتلوا وأصيب 20 آخرون بجروح يومي الخميس والجمعة في الخرطوم من جراء إصابتهم بأعيرة نارية خلال "تفلتات" أمنية و"اعتداءات" استهدفت ممتلكات حكومية وخاصة.

مجلس الأمن

وفي مجلس الأمن، حاول سفير السودان لدى الأمم المتحدة ياسر عبدالسلام تبديد مخاوف الأسرة الدولية. وقال إن المجلس العسكري "لن يحكم، بل سيكون ببساطة الضامن لحكومة مدنية سيتم تشكيلها بالتعاون مع القوى السياسية والأطراف المعنيين".

وأعلن دبلوماسيون أن مجلس الأمن عقد أمس الأول، اجتماعا طارئا حول السودان انتهى بعد ساعة من المحادثات المغلقة من دون صدور بيان.

وقال سفير الكويت منصور العتيبي: "هذه مسألة داخلية" في السودان، وذلك لتبرير عدم اتخاذ مجلس الأمن أي إجراء.

اللحظات الأخيرة من عهد البشير

تناقلت وسائل إعلام سودانية ما نشرته صحيفة "الانتباهة"، أمس، نقلاً عن مصادر موثوقة، عن اللحظات الأخيرة التي سبقت إبلاغ الرئيس عمر البشير بقرار عزله ووصيته للمجلس العسكري.

وذكرت الصحيفة، أن المفتش العام للجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان والفريق أول عمر زين العابدين نائب المدير العام في منظومة الصناعات الدفاعية ولواء آخر من الجيش، ذهبوا إلى البشير فجر الخميس إلى مقر إقامته، ووجدوه في المسجد الملحق ببيت الضيافة يستعد لأداء الصلاة.

وحسب رواية الصحيفة، جلس مبعوثو اللجنة الأمنية العليا إلى البشير بعد الصلاة، وأبلغوه أن اللجنة تشعر بخطورة الأوضاع في البلاد، وتخشى من خروجها عن نطاق السيطرة، وأن اللجنة قررت تولي السلطة فترة محدودة، ووضعه قيد الإقامة الجبرية.

وأشارت الصحيفة إلى أن البشير قابل الأمر بهدوء، وقال لهم قبل أن ينصرفوا: "خير... فقط أوصيكم على البلاد والشريعة".

وأضافت الصحيفة، أنّ اللجنة الأمنية سحبت الحرس الرئاسي والقوة التي كانت تحرس البشير في مقرّ إقامته، واستبدلتها بأكثر من 90 عسكرياً يقومون حالياً بحراسة مقر إقامته الجبرية وراء أسوار القيادة العامة للجيش.

«في يومين سقَّطنا رئيسين»

هتف متظاهرون أمام مقر القيادة العامة للجيش: "فعلناها مرة يمكننا إعادة الكرَّة"، وسط إصرار المحتجين على إسقاط قادة المجلس العسكري، بعد إطاحة عمر البشير، الذي حكم البلاد على مدى ثلاثين عاما.

وهتف متظاهرون من نساء ورجال يرتدون الزي التقليدي الأبيض: "سيسقط آخرون"، مؤكدين مواصلة اعتصامهم لليلة السابعة.

وانطلق المتظاهرون في الشوارع وهم يرددون: "مالها... سقطت"، و"في يومين سقّطنا رئيسين"، و"نجحنا".

واعتبر متظاهرون كثر، أن الوجوه والأسماء تغيرت، لكن النظام لا يزال على حاله.

وقال أحدهم: "لا نريد ابن عوف، لا نريد حكومة عسكرية"، مضيفا أن كل الذين سيتولون إدارة المرحلة الانتقالية "تابعون لنظام البشير"، وأكد أن الجماهير تريد "حاكما مدنيا".