الغرب معوق للحداثة بين رؤيتين: خليجية وعربية
![د. عبدالحميد الأنصاري](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1555928789945225900/1555928807000/1280x960.jpg)
أما في منطقة الخليج فقد جاءت بذرة التحديث في ركاب الوكيل البريطاني إثر معاهدات الحماية مع شيوخ الخليج، قبل قرن ونصف، وكما خدم الفرنسيون مصر بكتاب وصف مصر فإن الإنكليز خدموا المنطقة بعمل معرفي موسوعي إعجازي (دليل الخليج) تناول طبوغرافية وتاريخ الخليج (1906- 1600) لم يترك شاردة أو واردة على البر أو البحر إلا أحصاها، كان أهم ثمرات التحديث الانتقال من نظام القبيلة إلى الإمارة إلى الدولة، طبقا لعبدالمالك التميمي، وتزايدت وتيرة التحديث باستقلال الدول الخليجية، وارتفاع أسعار الطاقة الأحفورية المسخرة في تحديث الأبنية المجتمعية التقليدية في القطاعات التنموية.لذلك لا أتفق مع توجهات المفكرين العرب الذين لا يزالون أسرى هواجس الماضي الاستعماري في تحليلهم لمعوقات الحداثة العربية، كما يذهب إليه المفكر المغربي الدكتور محمد سبيلا في كتابه المرجعي المهم «مخاضات الحداثة» إلى أن الغرب الاستعماري فاعل كوني مهيمن كلياً على أسواق التقنية والفكر الحديث، ولا يسمح بالآخر شريكاً منافساً بل تابعا مستهلكا، وهو موقف يجد تأييداً من عامة المثقفين العرب: القوميين واليساريين والإسلاميين، ومع تفهمي لهذا الموقف وتبريراته إلا أني أراه موقفاً أيديولوجياً لا معرفياً موضوعياً، يعارضه واقع التنافس العالمي المرتكز على المصالح المتبادلة، كما ينقضه أن دولاً عديدة كانت محتلة وعاشت أوضاعاً أكثر بؤسا، لكنها حققت الحداثة: اليابان، والصين، والهند، وكوريا الجنوبية، وماليزيا، وتركيا، وسنغافورة، وهونغ كونغ، ودول نمور آسيا.دول الخليج، اليوم، منخرطة في مسيرة التحديث، ولا شكوى من أن الغرب يعرقل تقدمها، فالأغلبية الثقافية الخليجية لا تتملكها هواجس الماضي الاستعماري ولا ترى في الغرب معوقاً، بل المعوق الأكبر أن بأسنا بيننا شديد، وأزماتنا بما كسبت أيدينا لا بيد عمرو (أزمة الخليج نموذجاً) ولا يصح توصيف العلاقات الدولية ضمن معادلة (الهيمنة- التبعية) كما يشيع في الأدبيات الإسلامية واليسارية، فهذه مفردات من بقايا أدبيات النضال الثوري البائسة، الخليج شريك تجاري مهم ومؤثر في العالم، لا ضحية بائسة لا تملك أمرها، هناك تقاطع مصالح وهناك تناقضات لكنها تناقضات ترتبط باختلافات وجهات النظر، وهذا خلاف طبيعي سيظل قائماً حتى بين الحلفاء، وكذلك في العلاقات الثقافية، لا يصح وصف التأثيرات المتبادلة بين الثقافات بالتبعية والتغريبية كما يشيعه النقد الأيديولوجي العربي المعاصر.* كاتب قطري