التحدي الحقيقي أمام رئيس إندونيسيا التالي
قدّمت المرحلة الأخيرة قبل الانتخابات العامة الإندونيسية في 17 أبريل أربع مناظرات رئاسية معبّرة، وشكّلت هذه الأحداث الصاخبة حيناً والمضحكة أحياناً فرصة جيدة للمرشحين، الرئيس الحالي جوكو ويدودو والجنرال السابق برابوو سوبيانتو، للتواصل مع الناخبين.يتفق هذان المرشحان عموماً على تحديات التنمية التي يواجهها البلد والشكل الذي يجب أن تتخذه حلول السياسة، لكنهما يلزمان الصمت بشأن السؤال الأكثر صعوبة الذي يحدد المسألة الأبرز في هذه الانتخابات: ما السبيل إلى تصميم أوليات السياسة وتطبيقها بفاعلية في جو سياسي مقسّم ومع مؤسسات دولة ضعيفة يتفشى فيها الفساد؟ ينبغي لهذين المرشحين أن يبرهنا كيف سيضمنان إنشاء إندونيسيا مؤسسات تقدّم لصانعي السياسات خيارات سياسية مدروسة تستند إلى أدلة بغية تطوير أولوياتهم التنموية، فضلاً عن القدرة والتكامل الضروريين لتطبيق قراراتهم. يجب أن يكون الرئيس المقبل باني مؤسسات مماثلة.أظهر كلا المرشحين خلال المناظرات أنهما يعيان بوضوح التحديات الكامنة أمام بلدهما.
اتفق كلا المرشحين عموماً على ما يعوق تقدّم الاقتصاد، وأصابا في تعبيرهما عن قلقهما حيال الوضع القائم، ويعكس برنامجهما الاقتصادي إجماعاً قائماً منذ زمن بين المراقبين والمحللين بشأن الأسباب التي أعاقت الاقتصاد الإندونيسي عن تقديم أفضل أداء ممكن.بالإضافة إلى ذلك، يعطي كل منهما أولوية كبرى لتطوير البنية التحتية، والصحة، والتعليم، والحد من عدم المساواة، وحماية البيئة، كذلك يتبنى المرشحان الوطنية الاقتصادية وينظران بعين الريبة إلى التجارة والاستثمارات الأجنبية، ويعتقدان على حد سواء أن على الدولة أن تؤدي دوراً مركزياً في التنمية الاقتصادية.لكنهما لم يتطرقا إلى السبل المتاحة لتحقيق حلول السياسة التي يؤيدانها، إذ يتطلب بناء دول تنموية مؤسسات قادرة، ورغم ذلك تعاني المؤسسات الإندونيسية المكلَّفة بتحديد أولويات السياسة وتطبيق القرارات عيوباً كبيرة، فلم تنجح بعد قدرة الحكومة على صناعة السياسات وتطبيقها في مجاراة تطور الاقتصاد المستمر وتفاقم التحديات المتزايد. على سبيل المثال يؤدي إصرار إندونيسيا على متطلبات المحتوى المحلي في مجموعة من صناعاتها من المنتجات اللبنية والسيارات إلى ارتفاع كلفة الإنتاج الذي يقوّض المنافسة الدولية، وينفّر المستثمرين الأجانب والمحليين. لا شك أن جهاز الإدارة العامة الإندونيسي يضم بعض مواضع التميّز، فعلى سبيل المثال، تستحق مؤسساتها الاقتصادية (المصرف المركزي، ووزارة المال، ووكالة التخطيط الوطني، وهيئة التدقيق الوطنية) الثناء لحفاظها على الاستقرار الاقتصادي الكلي في عالم كثير التقلبات، كذلك تتمتع لجنة استئصال الفساد بسجل ممتاز من الإدانات في بيئة سياسية معادية، منها إدانة رئيس البرلمان السابق سيتيا نوفانتو السنة الماضية وسجنه 15 سنة وتغريمه بعدما وُجهت إليه تُهم بالاحتيال ترتبط بعقد عام لخدمات الهوية الإلكترونية. كذلك نجحت المحكمة الدستورية ولجنة الانتخابات في فرض احترامهما على الصعيدين الداخلي والدولي رغم ظهور بعض الفضائح أحياناً. لكن ما تبقى من إطار العمل المؤسساتي وجهاز الإدارة العامة في إندونيسيا يبدوان بأمس الحاجة إلى تغيير شامل، وتميل الوزارات إلى العمل في حالة عزلة وتكتم وإن تقاطعت أهدافها أحياناً، فضلاً عن أن تطبيق الأهداف الاقتصادية الاستراتيجية يفتقر إلى تنسيق عالي المستوى بين قطاعات الحكومة كلها بما فيها الإدارات المحلية.علاوة على ذلك، لا يتلقى الرئيس والحكومة أفضل المعلومات عن خيارات السياسة المتوافرة قبل اتخاذ القرارات المتعلقة بالسياسة، كذلك لا تضم وكالات التطبيق دوماً موظفين حكوميين قادرين، متمكنين، ونزهاء يستطيعون تنفيذ قرارات القادة السياسيين. ويخفق أيضاً النظام القضائي عموماً في تقديم استقرار قانوني للمستثمرين، والشركات، والأفراد، مصدراً غالباً قرارات تشوبها التناقضات والمنطق غير السليم.من المستحيل بالتأكيد إصلاح هذه النواقص الأساسية خلال ولاية رئاسية واحدة مدتها خمس سنوات. تُظهر الوقائع أن بناء الأنظمة المؤسساتية المتطورة، والمتعاونة، والكفؤة وترسيخها يتطلبان الوقت، فالقوى التي تحمي الوضع القائم قوية ومتجذرة ولن تتزحزح بسهولة، لذلك لا يمكن تحقيق تغيير أساسي إلا من خلال التقدم التدريجي الذي ينجم على مر العقود عن تحسينات صغيرة تصاعدية.علاوة على ذلك، يحتاج تغيير ثقافة الفساد إلى قيادة قوية، ويستلزم التغيير أبطالاً. أما التغيير المؤسساتي، نظراً إلى مركزيته في إنشاء مجتمع مزدهر وعادل، فيتطلب بطلاً قوياً وملتزماً يتحلى بالصبر، والهدف، والمثابرة، ولا أحد غير الرئيس قد يقترب ولو من بعيد من هذا الوصف.تدعيم المؤسسات القائمة وبناء مؤسسات جديدة مهمة يجب ألا يفوضها الرئيس لأي مسؤول آخر، وتُظهر مواضع التميّز المؤسساتي المعزولة في إندونيسيا كيفية القيام بذلك. صار الوقت حرجاً، ومن الضروري أن ينطلق الرئيس المقبل في هذه المهمة في الحال. * فيكرام نيهرو* «آزيان ريفيو»