وقعت حادثة غريبة نوعاً ما في تاريخ العلاقات الأميركية-الصينية في شهر سبتمبر عام 2015، ففي الوقت عينه الذي قرر فيه أوباما القيام بزيارة خارجة عن المألوف إلى ولاية ألاسكا، ظهر فجأة سرب بحري صيني من خمس سفن في بحر بيرينغ. انفصل هذا السرب عن تدريبات مشتركة مع أسطول المحيط الهادئ الروسي ولم يطل البقاء على السواحل الأميركية. هل شكّلت هذه الخطوة تحذيراً ذكياً صُمم خصوصاً لإذلال الرئيس الأميركي على أراضيه أم أنها كانت محض مصادفة ومجرد مغامرة صغيرة في مياه مجهولة بالنسبة إلى أسطول صيني بدأ لتوه نشر أشرعته بالتأكيد على المسرح العالمي؟ وهل من الممكن أن للصين خططاً بشأن منطقة القطب الشمالي وأن هذه شكّلت الخطوة الأولى فيها؟تشير الأدلة المتوافرة والتحليل الاستنتاجي البسيط إلى أن الشك مبرر، وخصوصاً بشأن السؤال الأخير أعلاه، ولكن يجب أن نقر رغم ذلك أن اهتمام بكين بمنطقة القطب الشمالي ما عاد اليوم مجرد خيال عابر. يكشف إعلانان صدرا عن بكين خلال عام 2018 أن هذه المسألة تكتسب أهمية جديدة في السياسة الخارجية الصينية عموماً: أولاً، هنالك "الورقة البيضاء" بشأن سياسة القطب الشمالي الصينية التي رفعت هذه المقاربة وحولتها إلى استراتيجية "طريق الحرير القطبية". ثم نصل إلى "القنبلة" عندما أعلنت الصين نيتها بناء كاسرة جليد مزودة بالطاقة النووية.
ظهرت تفاصيل جديدة نحو منتصف شهر مارس عن موصفات كاسرة الجليد الصينية: يصل طولها إلى 152 متراً وعرضها إلى 30 متراً وتبلغ إزاحتها 30 ألف طن. إذاً، ستكون مشابهة لسفن روسيا العملاقة من نوع "أركتيكا"، ومن المفترض أن يشغّل هذه السفينةَ، التي ستكلّف الصين نحو مليار رنمينبي، مفاعلَا ضغط عال بقوة 25 ميغاوات. يوضح تحليل أجرته صحيفة Barents Observer: "تحمل الطاقة النووية ميزة الاستمرار لمدى طويل وتزويد قوة هائلة"، ورغم ذلك ركّزت معظم الكتابات عن هذه السفينة المحتملة على تداعيات "تجربة" مماثلة على مشروع حاملة الطائرات النووية الصيني الناشئ، ولكن ماذا عن طموحات الصين في القطب الشمالي؟يبدو أن فرص الشحن عبر منطقة القطب الشمالي هي ما يحفّز تركيز الصين الجديد على هذه المنطقة خصوصاً، وأعطى إطلاق ناقلة الغاز الطبيعي المسال "بوريس سوكولوف" العالية الصلابة من نوع ARC7 من أحواض غوانزو الدولية في شهر ديسمبر عام 2018 الصين إنجازاً إضافياً في مسيرتها على "طريق الحرير القطبية". فهذه السفينة الضخمة مصممة لتعمل طوال السنة على طريق البحر الشمالي في دراجات حرارة تصل إلى 50 درجة مئوية تحت الصفر. وتشكّل هذه السفينة أيضاً جزءاً مما تصفه إحدى صحف السفن الصينية بـ"طفرة ناقلات الغاز الطبيعي المسال". فباستعانتها بمهاراتها في بناء السفن لتستغل سوق نوع السفن العابر لمناطق جليدية الجديدة بالكامل هذه، تولّد الصين في علاقتها مع روسيا وضعاً يُعتبر فيه الطرفان رابحين. علاوة على ذلك، تحقق بكين وموسكو ذلك بالعمل في حقل غاز يامال في القطب الشمالي، الذي يُعتبر أحد أبرز مواضع الفخر في تعاونهما الثنائي المتقدّم.لكن التحليل الصيني يشير أيضاً إلى "تأثير التبدّل المناخي في منطقة القطب الشمالي... بما أن من الصعب توقع تأثيره في مناطق أخرى من العالم". من وجهة النظر هذه، من المثير للاهتمام أن تعبر سفينة كزو لونغ 1 الممر القطبي الشمالي الأوسط خلال صيف عام 2017، إذ وُثّقت رحلة كاسرة الجليد الصينية المهمة هذه بدقة، هل يُعقل أن الصين عاقدة العزم على تطوير أسطولها الخاص من كاسرات الجليد، معوّلةً على احتمال أن يصبح الطريق الأوسط في غضون عقود قليلة أكثر أهمية من طريق البحر الشمالي الذي يتبع خط الساحل الروسي؟ أم ربما لا ترغب بكين في الإفراط في اعتمادها على روسيا في قدرتها على كسر الجليد؟في مطلق الأحوال، تكشف الأدلة التي عرضناها في هذا المقال أن اهتمام بكين بمنطقة القطب الشمالي اقتصادي وتجاري بطبيعته، لكننا قد نقع هنا وهناك على بيانات تقودنا إلى خلاصة بديلة. على سبيل المثال، قبل سنة تقريباً، نُشر في مجلة صينية معروفة عن بناء السفن مقالاً حمل عنوان: "نموذج شبه ديناميكي لغواصة تطفو عبر الجليد". بالإضافة إلى ذلك، أصدرت واشنطن تحذيراً صريحاً وجّهته أخيراً إلى الصين من قاعدتها القريبة من منطقة القطب الشمالي، وقد تلقى الجانب الصيني هذا التهديد، ولكن إذا كانت واشنطن وحلفاؤها لا يرغبون في رؤية الصين تتبنى مقاربة عسكرية في منطقة القطب الشمالي، فينبغي لهم أن يتخذوا خطوات لتفادي الأعمال التصعيدية والمهدِّدة في هذه المنطقة الشمالية الكبيرة. *«ليل ج. غولدشتاين»
مقالات
لمَ تريد الصين كاسرات جليد مزودة بطاقة نووية؟
18-04-2019