«لو يشقون هدومهم»
ردت وسائل الإعلام الرسمية على احتجاجات المظلومين من "البدون" الذين حُرِموا قبض رواتبهم من البنوك، بأن نسبة هؤلاء البدون الذين لم يستكملوا أوراقهم من "الجهاز المركزي لقهر البدون" لا تزيد على العشرة في المئة... "سود الله وجوهكم" على هذا الرد السخيف!ماذا يعني أن نسبتهم لا تزيد على ذلك؟ هل يعني هذا أن التصرف الذي قامت به سلطات القهر، والبنوك التي انصاعت لتعليماتها، سواء كانت تلك التعليمات من الجهاز المركزي للمقيمين بصورة غير قانونية، أو البنك المركزي، أو حتى السجن المركزي، يتسق مع حكم القانون؟ وأن مثل هذا التصرف الظالم صحيح مادامت نسبتهم لا تتجاوز العشرة في المئة؟! لا نحتاج إلى تفكير عميق في حكم القانون في مثل هذه المسألة، فالأجر أو الراتب كان مقابل العمل، وبمجرد تحويل هذا الراتب من المؤسسة التي يعمل بها "البدون" إلى البنك يصبح حقاً خالصاً للمحول إليه ودَيناً في ذمة البنك المحال عليه، ولا يجوز تحت أي حال الحجز عليه أو المساس به بغير حكم قضائي من المحكمة المختصة، حتى القضاء بدوره يلتزم بالأحوال التي حددها القانون على سبيل الحصر في حالات جواز الحجز الجزئي على الراتب.
الذي صنعته السلطة المركزية في الحالة السابقة أنها ضربت بحكم القانون عرض الحائط، هي لم تتعسف في استعمال حقها لأنه لم يكن لها حق أساساً، هي خالفت القانون ودهست أبسط مبادئ العدل، وضربت لنا مثالاً لصورة بشعة في الظلم.ماذا يفعل هذا (هذه) البدون المحجوز على مقابل عمله دون وجه حق؟ هل يمكن أن يطرق باب القضاء ليستصدر حكماً ضد البنك أو الجهة التي حجبت عنه راتبه؟! هل يمكن أن نتصور الطريق الطويل الذي سيسلكه هذا المظلوم كي ينال حقه من تسجيل صحيفة الدعوى، وقبل ذلك البحث عن محامٍ ليوقعها، ثم إعلانها، وتحديد جلسة لنظرها ثم تأجيلها... إلى آخره من درب ممتد شاقٍّ، عليه أن يسلكه كي ينال أجره البسيط؟! هل هذا معقول ومقبول؟!ماذا لو تصورنا أن هؤلاء العشرة في المئة المنكوبين باستبداد السلطة ذهبوا إلى القضاء لتسجيل الدعاوى التي يريدون بها مخاصمة البنك والسلطة التي حرمتهم، فقالت لهم إدارة ضباط الدعاوى (المكان الذي تسجل فيه الدعاوى): هاتوا بطاقات الهوية كاملة، مثلما اشترط الجهاز المركزي؟ ماذا سيفعل هؤلاء البدون عندئذ؟! هل "يشقون هدومهم" في بلد مركز الإنسانية؟!