الوجوه الكثيرة والمختلفة للإرهاب في العالم
مذبحة الألعاب الأولمبية في مدينة ميونيخ الألمانية في 1972 وهجمات 11 سبتمبر 2001 على برجي التجارة في نيويورك والهجوم الإرهابي الذي استهدف عدة مواقع في مدينة مومباي في 26 نوفمبر 2008 تظل محفورة في أذهان الناس بصورة أكثر عمقاً من الهجمات الإرهابية الأخرى.
يعتبر الإرهاب شكلاً معروفاً للحرب اللامتساوقة وكان منتشراً منذ عقود طويلة، ويطرح بعض أشكال الإرهاب بصورة تفوق الأشكال الأخرى، ولأسباب لا يمكن تفسيرها. وعلى سبيل المثال فإن مذبحة الألعاب الأولمبية في مدينة ميونيخ الألمانية في عام 1972 وهجمات 11 سبتمبر 2001 على برجي التجارة في نيويورك والهجوم الإرهابي الذي استهدف عدة مواقع في مدينة مومباي في 26 نوفمبر 2008 تظل محفورة في أذهان الناس بصورة أكثر عمقاً من الهجمات الإرهابية الأخرى. وعلى أي حال فإن من المهم عدم اتخاذ نظرة ملحمية للإرهاب لأن التاريخ يرتبط بفهم ملائم للخطر الذي يمثله الإرهاب.كان التطرف الإسلامي الراديكالي السرد المهيمن للإرهاب في حقبة ما بعد الثمانينيات من القرن الماضي، وكان ذلك حصيلة ممكنة للحرب التي استمرت عقداً من الزمن في أفغانستان في الفترة ما بين (1979– 1989) والتي تسببت في إطلاق سيل من «المرتزقة» الذين عملوا على شحذ مهاراتهم من خلال الحرب الأفغانية، واستخدموا العنف من دون تمييز. وبمرور الوقت بدا أن مصادر الإرهاب تستطيع بلوغ آفاق أوسع ولم تعد تقتصر على مواقع جيوسياسية، وحصلت المنظمات الجديدة مثل «القاعدة» وداعش على أهمية بين المجموعات الإرهابية الصاعدة، ولم تكن المجموعات الإرهابية الإقليمية مثل جماعة أبو سياف في الفلبين وجيش محمد في جنوب آسيا وبوكو حرام في إفريقيا أقل عنفاً وفتكاً.
وفي الآونة الأخيرة– وخصوصاً في الغرب– برزت روايات جديدة تحمل شعارات مختلفة وعناصر من جناح اليمين المتطرف، وقد برهنت على أنها ليست أقل عنفاً وخطراً من الجماعات الإرهابية الإسلامية. وهي تبدو في الوقت الراهن أقل تنظيماً من الكثير من المجموعات الأخرى كما أن أهدافها عشوائية بقدر أكبر.
الأهداف والشخصيات
وأهداف هذه المجموعات الجديدة التي تشمل– على سبيل المثال– كنيساً يهودياً في الولايات المتحدة وشخصيات سياسية مثل الرئيس الفرنسي ماكرون ورئيس وزراء إسبانيا بدرو سانشيز وأعضاء في مجتمعات المهاجرين والأقليات يتم اختيارها بحذر وعناية، ويبدو الكثير منها ضمن ما يعرف باسم الذئاب المنفردة مثل النرويجي أندرس بريفيك والأسترالي المسؤول عن مجزرة كريستشيرش في نيوزيلندا في 15 مارس الماضي التي استشهد فيها 50 شخصاً. وقد أصبح الإرهاب العشوائي الذي يوصف بإرهاب جناح اليمين خطراً مهدداً مثل خطر الجماعات الإسلامية، ومن الواضح أن تشريح الإرهاب لا يتغير حتى اذا تغيرت البواعث والدوافع. التطور الذي شهده الإرهاب في القرن الحادي والعشرين والتغير المستمر في تكتيكات الجماعات الإرهابية يجعل الإرهاب يبدو مثل «خطر وجودي» والشيء الذي يتعين إدراكه وفهمه هو أن خطر الإرهاب يتجاوز بسرعة ما كنا نشهد حدوثه إلى ما يمكننا أن نتخيل أنه قد يحدث في المستقبل المجهول.جيل جديد من الإرهابيين
ولنأخذ على سبيل المثال ما حدث في الهند في سنة 2016، فقد شنت المجموعات الإرهابية الباكستانية هجمات عشوائية جريئة على قاعدة باثانكوت الجوية ومقر القوات المسلحة في يوري، وقاعدة للجيش في نغروتا، وفي شهر فبراير من هذا العام شن جيش محمد أشد هجماته حتى الآن على قافلة للشرطة المركزية أسفرت عن مقتل 40 شخصاً، وهو أعلى رقم للضحايا من قوات الأمن في جامو وكشمير. ويمثل استخدام سيارة قاذفة انتحارية تحمل عدة مئات من الكيلوغرامات من المتفجرات لضرب هدف مهم ذروة إرهاب جديدة، وهو يمثل بالتالي ظهور جيل جيد من الإرهابيين وطريقة عملهم في ذلك البلد. على صعيد عالمي قد تكون الهجمات الجهادية أقل أهمية ولكنها في ازدياد، وفي شهر يناير من هذا العام قتل أبو سياف في الفلبين الذي يرتبط مع تنظيم داعش 20 شخصاً في كنيسة في إقليم سيولو، وفي المملكة المتحدة وعشية رأس السنة (2018-2019) تعرض ثلاثة أشخاص الى طعن بسكين في محطة للقطارات في مانشستر وبمساعدة من أحد مؤيدي تنظيم داعش، وفي شهر مارس الماضي تم العثور على متفجرات في لندن وفي جامعة غلاسكو، وقد أسفر ذلك عن انتشار حالة هلع كبرى في المملكة المتحدة. وفي شهر مارس أيضاً شهدت هولندا هجوماً إرهابياً في مدينة أوترخت استخدم المنفذ فيه النار بشكل عشوائي على ركاب ترام المدينة.وفي غضون ذلك، يعمل الإرهابيون على تحسين مهاراتهم وأصبحت لديهم القدرة على ضرب الأهداف التي يريدونها وبالطريقة التي تناسبهم، وقد أسفر عقد من العنف في العراق وسورية عن تشكيل احتياط من المقاتلين الأشداء الذين يعززون المجموعات الإرهابية في أنحاء مختلفة من العالم، وكما كانت الحال في ثمانينيات القرن الماضي نحن نشهد أكثرية أولئك الذين شاركوا في أعمال العنف في سورية والعراق يضيفون العناصر الجديدة الى المجموعات الإرهابية الحالية في آسيا وأوروبا وإفريقيا.ولذلك فإن هذا التطور يعني أن من السابق لأوانه الاحتفال بتراجع الإرهاب استناداً الى ما يدعى نهاية تنظيم «داعش»، وقد تكون مساحة الأرض التي كان هذا التنظيم يسيطر عليها قد تقلصت بشكل دراماتيكي مقارنة مع سنة 2014، ولكن ذلك لا يعني نهايته حتى الآن، كما أن تنظيم «داعش» يظل مصدراً للدعم والإلهام لعدة مئات من المقاتلين في آسيا وإفريقيا وأوروبا. ولا يزال الكثير من شبكات «داعش» يعمل بصورة سرية والكثير من أنصاره على استعداد لاستئناف أنشطتهم بمجرد تراجع الضغط عليهم، وتوجد تقارير غير مؤكدة تقول إن تنظيم «داعش» طلب من العديد من أتباعه العودة الى بلادهم من أجل تقوية نواة مجموعاته هناك. وتشير التقديرات الى أن نحو 20 في المئة من المقاتلين في هذا التنظيم الذين كانوا يشاركون في العمليات في سورية والعراق قد عادوا الى بلادهم، ومع تراجع «داعش» في سورية والعراق ستستفيد من ذلك كيانات أخرى مثل الدولة الإسلامية في خراسان (التي تشمل أجزاء من الهند) لتعزيز مواقعها.* إم كي نارايانا