اعتُبرت قمة هانوي بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية، التي عُقدت في أواخر شهر فبراير بشأن نزع أسلحة كوريا الشمالية النووية، فاشلة في أوساط كثيرة بعدما ترك ترامب طاولة المفاوضات من دون التوصل إلى اتفاق.

لكن الفشل كان سوف يبدو أكبر لو أن الولايات المتحدة وكوريا الشمالية سارعتا إلى عقد «صفقة سهلة» تؤدي إلى نزع أسلحة كوريا الشمالية النووية جزئياً فحسب، ولا شك أن صفقة مماثلة كانت ستقوّض نظام التحالف الأميركي في شرق آسيا وتضرب أسس هذا النظام في الصميم.

Ad

صحيح أن هذه المخاوف تبددت في الوقت الراهن، غير أن نتيجة المحادثات لا تستطيع أن تخفي المخاوف بشأن استقرار شبه الجزيرة الكورية وشرق آسيا.

خلال القمة، بدت إدارة ترامب مستعدة للقبول بخفض الوجود العسكري الأميركي في كوريا الجنوبية. يلمح ترامب إلى ضرورة سحب القوات الأميركية من شبه الجزيرة الكورية منذ الحملة الانتخابية عام 2016، حتى إنه وعد القائد الكوري الشمالي كيم يونغ أون في شهر يونيو عام 2018 بأن الولايات المتحدة ستعلّق التدريبات العسكرية المشتركة مع كوريا الجنوبية، ويُقال إنه أقدم على خطوة مماثلة من دون استشارة جيم ماتيس، الذي كان آنذاك وزير الدفاع الأميركي.

في كوريا الجنوبية، قدّم احتمال أن تتقرب الولايات المتحدة وكوريا الشمالية من بعضهما دعماً مرحباً به وغير متوقع لمبادرة إدارة مون جاي إن الرامية إلى تحقيق التقارب بين الكوريتين ووحدة شبه الجزيرة الكورية. صحيح أن إخفاق القمة جعل تطوراً مماثلاً مستبعداً في المستقبل القريب، إلا أن إدارة ترامب تواصل اعتبار علاقاتها مع كوريا الشمالية أولوية في أهداف سياستها الخارجية.

إذا اتفقت الولايات المتحدة وكوريا الشمالية على إعلان وقف الأعمال العدائية أو حتى عقدتا اتفاق سلام، فسيزداد تبرير استمرار الوجود العسكري الأميركي في كوريا الجنوبية صعوبة.

تعرب إدارة ترامب، وخصوصاً مجلس الأمن الوطني ووزارة الدفاع، عن قلق كبير حيال الاتجاه الذي تسلكه إدارة مون، وثمة دعوات متنامية إلى تحويل نظام التحالفات الأميركي في شرق آسيا نحو اليابان، ولكن كلما شعرت كوريا الجنوبية أن الولايات المتحدة تنحاز إلى اليابان، ازدادت تقرباً من الصين، مما يعزز احتمال أن تخرج كوريا الجنوبية من إطار العمل التعاوني الأمني الأميركي-الياباني-الكوري الجنوبي. صحيح أن كثيرين في كوريا الجنوبية يرفضون الاعتراف بعدم قابلية التحالف الثلاثي الأميركي-الياباني-الكوري الجنوبي للتجزئة، إلا أن الوقائع تؤكد أن القواعد العسكرية الأميركية في اليابان والمعاهدة الأمنية اليابانية-الأميركية شكلتا معاً دوماً أسس قوة ردع هذه الدول الثلاث مجتمعةً في وجه كوريا الشمالية.

أما في اليابان، فتعلو أيضاً الدعوات المتزايدة داخل الحزب الديمقراطي الليبرالي لتفعيل تدابير الرد ضد كوريا الجنوبية أو حتى قطع الروابط الدبلوماسية معها في حال طبّقت الأحكام الصادرة عن محكمتها العليا والقاضية بفرض دفع تعويضات للعمال الكوريين الذين أُرغموا على العمل بالسخرة خلال الحرب على الشركات اليابانية عندما كانت كوريا خاضعة لحكم اليابان.

فقَدَ مشرعون يابانيون كثر، على ما يبدو، الأمل في تحقيق أي تقدّم مع كوريا الجنوبية خلال عهد مون، فيسود اليوم الشعور بأن «لا جدوى من التحاور مع نظام مون، وكل ما يسعنا القيام به انتظار الإدارة المقبلة»، ولكن حتى لو تلت مون إدارة أكثر تحفظاً، فمن غير المرجح أن يتبدّل الوضع، كما برهنت سياسة كوريا الجنوبية الخارجية خلال عهد قائدها المحافظ السابق الرئيس لي ميونغ باك. ففي شهر أغسطس عام 2012، أدت زيارة لي لجزيرة تاكيشيما المتنازع عليها إلى تدهور فوري في العلاقات بين البلدين، كذلك صدم لي اليابان بقوله إن الإمبراطور الياباني، إذا رغب في زيارة كوريا الجنوبية، يجب أن «يكون مستعداً للاعتذار من قلبه ممن ماتوا وهم يناضلون في سبيل الاستقلال».

ولكن مع تحرك كوريا الجنوبية نحو فكرة دولة يابانية يمكن الاستغناء عنها، كانت الولايات المتحدة تطور فكرة مختلفة، فكرة «دولة كورية جنوبية يمكن الاستغناء عنها». وخلال عهد إدارة ترامب، يبدو إمكان «االاستغناء» عن كوريا الجنوبية أكثر احتمالاً من أي وقت مضى.

يثير كل هذا القلق في كوريا الجنوبية، وخصوصاً في الأوساط المحافظة، حيث يذكر فنسنت بروكس، الذي تولى قيادة قوات الولايات المتحدة في كوريا حتى تقاعده قبل فترة وجيزة، أن كبار المسؤولين الكوريين الجنوبيين كانوا يسألونه دوماً: «هل تعترف الولايات المتحدة مرة أخرى استراتيجياً بخط أتشيسون؟».

في شهر يناير 1950، أعلن وزير الخارجية الأميركي دين أتشيسون إنشاء خط دفاع أميركي ضد انتشار الشيوعية في شرق آسيا أو ما يُعرف بخط أتشيسون، حيث شمل خط دفاع الولايات المتحدة هذا اليابان، وأوكيناوا، والفلبين، مستثنياً كوريا الجنوبية وتايوان، وقد فهمت كوريا الشمالية دلالات هذا القرار مع اندلاع الحرب الكورية بعد ستة أشهر فقط.

لم يوضح أحد المبرر الاستراتيجي لخط أتشيسون بفاعلية أكبر من الدبلوماسي، والمؤرخ، والأكاديمي الأميركي جورج كينان، الذي يُعتبر أبا نظرية الاحتواء والذي عمل في مرحلة ما مدير التخطيط السياسي في وزارة الخارجية الأميركية. نظر كينان بعين الريبة إلى تدخل الولايات المتحدة في آسيا، وفي شرق آسيا دعا إلى إعادة إعمار اليابان وإنشاء إطار عمل للاستقرار الجيو-سياسي يقوم على دول بحرية منها اليابان.

من الصعب التفكير في أن الولايات المتحدة قد تعود، بعد إنشاء خط أتشيسون بنحو سبعين سنة، إلى اعتبار كوريا الجنوبية «دولة يمكن الاستغناء عنها استراتيجياً»، لكن الائتلاف الأميركي-الكوري الجنوبي قد يضعف، وخصوصاً إذا توصل ترامب وكيم إلى صفقة في المستقبل، فإذا قبلت إدارة مون صفقة مماثلة من دون أي اعتراض، يصبح الائتلاف الأميركي-الكوري الجنوبي لا طائل منه، مما يهدد بالتالي عدم قابلية دفاع الولايات المتحدة، واليابان، وكوريا الجنوبية للتجزئة، وفي حالة مماثلة ينشأ خطر حقيقي: خطر ظهور عقيدة «دولة كورية يمكن الاستغناء عنها».

من المخيف حقاً التفكير في استمرار خطر توصل ترامب وكيم إلى صفقة قد لا تؤدي إلى نزع أسلحة كوريا الشمالية النووية بالكامل، ولكن حتى لو تراجعت هذه المخاوف في الوقت الراهن، يبقى خطر السماح لكوريا الشمالية بالتحول إلى قوة نووية قائما، ولن يؤدي هذا إلى فشل لا يمكن إصلاحه في الردع الأميركي فحسب، بل سيدفعنا أيضاً إلى التكشيك فعلاً بمصداقية الولايات المتحدة كقوة ردع نووية في وجه دولة كورية شمالية نووية.

● يويشي فوناباشي