ليفهم دعاة «صفقة القرن» أنه لا بديل عن الحرية
يخطئ نتنياهو وفريق ترامب الذي يعمل بإرشاداته إن ظنوا أن طرح ما يسمى "صفقة القرن" سيضعف إرادة الشعب الفلسطيني، أو إصراره، على نيل الحرية الكاملة من نظام الاحتلال ومنظومة الأبارتهايد العنصرية. أولا، لأنه ما من شعب يمكن أن يقبل بإرادته العبودية لنظام قهر واضطهاد عنصري.وثانيا، لأنهم لن يجدوا أي فلسطيني يتمتع بحد أدنى من المصداقية يمكن أن يقبل أطروحاتهم، وإن وجدوا شخصا كهذا فلن يكون في نظر شعبه سوى خائن لقضيته.
وثالثا، إن من همسوا في آذانهم باستعدادهم للتطبيع مع إسرائيل وهي تقهر الشعب الفلسطيني، لن يستطيعوا أن يواجهوا شعوبهم، أو يرضخوها لمخططاتهم. ورابعا، لأن أفكار هذه الصفقة معزولة عالميا، فهي مرفوضة من الغالبية الساحقة من المجتمع الدولي، ومن دول كبرى كروسيا، والصين، وغالبية دول الاتحاد الأوروبي.فلماذا إذاً تتواصل الإعلانات عن قرب طرح صفقة القرن رغم وضوح المؤشرات بأنها ستفشل؟ التفسير المنطقي هو أن "صفقة القرن" ليست مشروعا للحل ولا مدخلا للتفاوض. بل هي وسيلة لتحقيق هدفين:الأول: تغيير المواقف الرسمية المعلنة للإدارة الأميركية، والتي وإن كانت دوما منحازة لإسرائيل فإنها لم تتجرأ حتى الآن على خرق القانون الدولي السائد بالاعتراف بضم أراض محتلة بالقوة، أو تقديم الغطاء لإنشاء وضم مستعمرات استيطانية مخالفة لقرارات الأمم المتحدة، بما فيها مجلس الأمن، وبصفقة القرن فإن إدارة ترمب تعلن انحياز الولايات المتحدة الكامل للعنصرية الصهيونية المتطرفة، وتشاركها في خرق القانون الدولي. أما الهدف الثاني فهو استخدام هذه "الصفقة" كغطاء لاستفحال عملية الضم والتهويد والاستعمار الاستيطاني الذي تمارسه الحركة الصهيونية وحكومة إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني. وبالإضافة لذلك يعتقد بعض الواهمين أن الإعلان عن "صفقة القرن" سيمثل وسيلة ضغط إضافية على أطراف عربية لتقبل بالتطبيع مع منظومة الاحتلال والأبارتهايد العنصرية، على أمل أن تتجرأ هذه الأطراف وتخالف مشاعر، وآمال، وتاريخ شعوبها. ما جرى في الأسبوعين الأخيرين في الجزائر والسودان، وما يجري، ربما يشكل خير رد على أوهام "صفقة القرن"، فبغض النظر عن اختلاف الظروف بين البلدين، فإنهما يشهدان ثورتين شعبيتين حقيقيتين يتصدرهما جيل الشباب الباسل والجريء. ثورتان تطالبان بالديمقراطية الحقيقية، وبحق الشعب في اختيار وانتخاب قادته، وبحكم مدني يستند إلى إدارة الشعب لا بنادق العسكر، وسراديب التحقيق، ثورتان تعيدان للإنسان العربي الشعور بالكرامة، وبقدرته على أن يصنع ما صنعته شعوب كثيرة في العالم بتحقيق الحرية والديمقراطية. كثيرون ظنوا، ومن بينهم نتنياهو، أن من الممكن إخضاع الشعوب بالقوة والبطش والتنكيل، وأن من الممكن إخضاع الشعوب لاتفاقيات جائرة تفرض على حفنة من قادتها وبمعزل عن إرادة هذه الشعوب. وكثيرون ظنوا أن رياح الديمقراطية، والتغيير، وآمال الشباب قد انطفأت في العالم العربي الممزق بصراعاته وخلافات حكامه. لكن الحقيقة وإرادة التغيير تكرر عودتها، وفي كل مرة تفاجئ أولئك المراقبين الذين لا تسمح لهم عنصريتهم بقبول العرب والفلسطينيين كشركاء للإنسانية في طموحاتها لقيم الحرية والكرامة والديمقراطية الحقيقية. يستطيع غرينبلات أن يشدو كما يريد في مدح خطته لتصفية حقوق الشعب الفلسطيني، لكن الجواب يأتيه من الخرطوم والجزائر، وسيسمعه مدويا في فلسطين. *الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية