سيادة الدولة أم سيادة الفساد
"كل دول مجلس التعاون باستثناء الكويت نوعوا مصادر دخولهم بأكثر من غيرهم للدول التي في مثل حالتهم، تتصدرهم دولة الإمارات العربية ثم عمان ثم قطر..."، كانت الفقرة السابقة من بحث الاقتصادي عدنان مزاري، نشر قبل بضعة أيام في نشرة PIIE، ويضيف الباحث في فقرة أخرى: "في الدول الأخرى وتحديداً العراق، الكويت، اليمن لم تحقق أي منها أي تقدم في تنويع مصادر الدخل العام، بل بالعكس هناك تراجع نسبي بالمقارنة مع دول غيرهم".الكاتب يقرر أن الدول الخليجية ودول شمال إفريقيا، بشكل عام، وهي تواجه تحديات تدهور أسعار النفط من عام 2014 بسبب تطور إنتاج النفط الصخري (أو الرملي) في الولايات المتحدة وأسباب غيرها، لم تحقق شيئاً يذكر لتنويع مصادر دخلها، وعلى ذلك فهي ستواجه تحديات اقتصادية أمنية بسبب تناقص الريع النفطي والصراعات الإقليمية، ويرجع هذا الفشل إلى عدة أسباب، مثل الإدارات السيئة للاقتصاد، وعدم كفاية رأس المال البشري، والقيود التي تحد من التجارة البينية بين دول المنطقة، وعدم الاهتمام بقضايا مهمة، مثل تطوير التعليم الذي يعد من أهم روافد رأس المال البشري... إلى غير ذلك.
في هذا المقام، لنتذكر وضع التعليم هنا في دولة تنامي الشهادات المزورة، والتحجر وعدم تطوير المناهج المهترئة وسوء مخرجات التعليم وعدم تناسبها مع متطلبات السوق، وكل أسباب الرداءة بسبب الفساد السرطاني المستقر في مفاصل الدولة، ما العمل وكيف تفكر هذه السلطة مع التحديات الأمنية القادمة إذا تدهورت الأوضاع الاقتصادية؟ هل ننظر ونعتبر لما يجري في عدد من الدول العربية، أم نسينا الربيع العربي، ونسينا أن سوء إدارة الاقتصاد السياسي وراء معظم مآسي هذه الأمة؟لنترك ورقة بحث عدنان مزاري، ولننظر لوضعنا الكويتي الذي يعد الأسوأ في دول مجلس التعاون لمسألة تنويع مصادر الدخل، ونسأل: هل هذه الحكومة تنظر بجدية للتحدي الاقتصادي، وتريد فعلاً مخرجاً للدولة من الخطر القادم أم أنها مازالت تراوح في مكانها، وتتبع سياسة التأجيل والتسويف، وترقيع الحال بحلول مؤقتة لعجز متأصل فيها وخشيتها من مواجهة الواقع؟! الإجابة لا تحتاج لتفكير طويل بدولة "هذا سيفوه وخلاجينه"، فالسلطة مشغولة وغارقة في صراعاتها الداخلية، ولا تريد تحدي الغربان الذين يحومون حولها، هذه الحكومة ومجلسها الصوري غارقان في تفاهات يومية لسياسة مسطحة لا جدوى منها، مثلاً حين يثار موضوع تطوير الجزر ومشروع الحرير، تقف هذه الحكومة وكأنها الأطرش في الزفة، وكأن هناك حكومة أخرى لا تعرفها تطرح هذا المشروع. فهناك من هم محسوبون على الصوت السلطوي، وقفوا موقف العداء، وأعلنوا الحرب على المشروع قبل أن يطرح بصورة كاملة.ليس المطلوب التهليل لمحاولة تنويع مصادر الدخل، مثل طرح مشروع الحرير والجزر، بل بالعكس، النقد الجدي له والتفكير بمواضع النقص فيه مسألة مطلوبة، وطرح بدائل له إذا كانت هناك بدائل حقيقية، لكن إعلان الحرب عليه، وتصويره ككارثة قادمة وتنازل خطير عن سيادة الدولة، فهذا ما لا يمكن فهمه.أي سيادة هنا تتحدثون عنها غير سيادة الفساد وسيادة دويلات أصحاب المصالح والنافذين، التي ابتلعت سيادة الدولة الداخلية؟ وإذا كان مثل هذا المشروع، وهو محاولة لتنويع مصادر الدخل، غير مقبول عندكم، فماذا هو البديل لديكم، مع هذا الواقع الكويتي المحزن...؟ أخبرونا بسرعة، فالزمن لا يرحم، تذكروا أن الكويت هي الأسوأ في دول مجلس التعاون الخليجي في خيارات تنويع الدخل العام، فماذا قدمتم غير الثرثرة السياسية وحفلات المزايدات الشعبوية...؟