بعد بضع ساعات من إعلان زعيم حزب "أزرق أبيض" بيني غانتس انتصاره في الانتخابات الإسرائيلية، قام نتنياهو بالمثل، فتبين أن حماس غانتس سابق لأوانه.فاز "أزرق أبيض" بـ35 مقعداً في الكنيست من أصل 120، متفوقاً على كل توقعات استطلاعات الرأي التي أُجريت قبل الانتخابات، وعندما أعلن غانتس انتصاره قال: "سطع نور عظيم"، كان حزبه قد حقق تقدماً ظاهرياً بسيطاً في عدد المقاعد، مقارنة بالليكود، في التوقعات المتفاوتة كثيراً التي استخلصتها القنوات الإخبارية الكبرى من استفتاء الناخبين لدى خروجهم من مراكز الاقتراع، ولكن حتى حين كان يتحدث، بدا واضحاً أن طاقة "نور حزب أزرق أبيض العظيم" إما استنفدت أو نفّرت الشركاء الذين يحتاج إليهم غانتس ليعوق ائتلافاً قد يشكّله نتنياهو.
وفي نهاية المطاف تبين أن الليكود حصد عدداً من الأصوات فاق بنحو ثلاثين ألفاً ما ناله "أزرق أبيض" الذي اقتصرت حصته على 35 مقعداً، أي بزيادة خمسة مقاعد عما حققه في 2015. على نحو مماثل، حسّن الحزبان المتشددان (الحريديان) يهودية التوراة المتحدة وشاس مكانتهما، محققين 8 مقاعد لكل منهما ومعلنين ولاءهما لنتنياهو.إذاً، فاز نتنياهو بأفضل سيناريو قد يرجوه، إلا أنه ما زال يواجه التُّهم، ومن المقرر عقد جلسات الاستماع في يوليو، لذلك ينشأ الآن السؤال المهم: بماذا قد يعد نتنياهو لتشكيل حكومة؟ وبماذا قد يتعهد شركاؤه ليبقوه بعيداً عن المخاطر القانونية؟ أولاً، للتوصل إلى صفقة مع قادة المستوطنين سيُضطر نتنياهو إلى المضي قدماً بخطته التي أعلنها أخيراً عن ضم مستوطنات الضفة الغربية، فضلاً عن أنه سيعطي بتسلئيل سموتريتش الحقيبة التي يتوق إليها، ولا شك أن نتنياهو لن يعارض وزير عدل من هذا اللون لأنه سيُرغَم ثانية على إرضاء الأحزاب الحريدية بتمرير قانون يعفي معظم الرجال الحريديين من الخدمة العسكرية. ثانياً، سيكون على نتنياهو إرضاء حزب شاس المتشدد بتمريره قانوناً يسمح بطرد معظم طالبي اللجوء الأفارقة من الأجزاء الأكثر فقراً في جنوب تل أبيب حيث يعيش عدد كبير من ناخبي شاس. ومرةً أخرى سيُضطر نتنياهو إلى تحدي قرار المحكمة العليا التي فرضت على الحكومة الالتزام بالمؤتمرات الدولية بشأن اللاجئين التي تُعتبر إسرائيل من موقعيها الأساسيين، لكن تحدياً كبيراً مماثلاً للمحكمة العليا قد يقود إلى قانون جديد يتوافر اليوم بمسودات عدة ويتيح للكنيست تخطي أحكام المحكمة العليا في المسائل الدستورية بنيل هذا التخطي أكثرية بسيطة في التصويت، ومن المؤكد أن نتنياهو لن يمانع أيضاً خطوة مماثلة بما أنه يعوّل على البقاء في منصبه بتخطيه قرار المحكمة العليا الذي يُرغم أي وزير توجَّه إليه تُهم على الاستقالة.إذا تأملنا خريطة النتائج الانتخابية نرى نمطاً مألوفاً على نحو غريب، في تل أبيب وهرتزليا، ذلك المركز المدني المتكامل الذي يبلغ عدد سكانه نحو 600 ألف شخص ويشكّل قلب عالم التجارة الإسرائيلي، فاز حزب "أزرق أبيض"، والعمال، وميرتس بنحو ثلثي الأصوات، في حين حصل الليكود على 20% منها، في المقابل بين يهود القدس الـ600 ألف، فاز الليكود مع الأحزاب اليمينية والمتشددة بأكثر من 75% من الأصوات، في حين نال اليسار الوسطي 20%، أما سكان المستوطنات على طول الخط الأخضر الذين يفوق عددهم 350 ألفاً، فكانوا أشد دعماً لليمين الديني، كذلك تُعتبر البلدات الجنوبية الأكثر فقراً، منطقة داعمة لليكود بأكملها، كما كانت منذ عقود.لا يعني كل هذا أن استراتيجية حزب "أزرق أبيض" الوسطية خاطئة على الأمد الطويل، إذ تخبو مواقف المهاجرين وتنقسم العائلات الدينية، وتنمو المدن العالمية، فإن هذا الوضع لن يدوم، إذ تعمل القطاعات الأكثر فقراً على إقصاء مَن يدعمونهم بالضرائب والخبرات في مجال الأعمال، فيعيش نحو 600 ألف إسرائيلي يملكون مستوى تعليم أعلى من المعدل الوطني في الخارج، كذلك غادر نحو 10% من حملة شهادات الدكتوراه البلد، ولا يمكن أيضاً تجاهل التوتر مع الفلسطينيين. إذا كانت القوات الديمقراطية الإسرائيلية في حزبَي العمال وميرتس ستستخلص عبرة من هذه النكسة الجديدة فيجب أن تكون: لن يفوز اليسار الوسطي بانتخابات أخرى من دون نيله أصوات خُمس السكان الذين لا ينتمون إلى اليهودية، وإذا واصل العرب امتناعهم عن المشاركة في الانتخابات فسيزداد عدد مَن يرحلون عن البلد من الإسرائيليين الواسعي الثقافة والخبرة، وستشكّل هذه انتخابات يعجز الليكود عن التحكم فيها.* «بيرنارد أفيشا»
مقالات
ماذا يكشف فوز نتنياهو عن مستقبل إسرائيل؟
22-04-2019