في اليوم العالمي للمرأة في باكستان الشهر الماضي، نظّمت آلاف الشابات المتحمسات المدافعات عن حقوق المرأة مسيرة النساء الثانية. صُممت هذه المسيرة، التي هدفت إلى تعزيز نجاح مسيرة لقيت أصداء إيجابية السنة الماضية، لتكون شاملة، وسلمية، ومرحة جداً. ضمت هذه المسيرة نساء من كل فئات المجتمع، فارتدت نساء عدة ملابس غربية في حين تحجبت أخريات بالكامل، وارتدى عدد منهن الحجاب وأخريات البرقع، أتت النساء من المدن ومن القرى. كان بعضهن مدرّسات والبعض الآخر عاملات، كذلك شارك في هذه المسيرة رجال داعمون للمرأة.وجاء رد فعل مضاد بشع ما زالت تداعياته مستمرة، مما شكّل إشارة إلى أن هدف التحرر من قبضة السلطة الذكورية الهرمية، الذي سعت إليه المدافعات عن حقوق المرأة، ما زال بعيد المنال.
قصدت الناشطات والمتطوعات، اللواتي لم ينسين بعد أفراح مسيرة عام 2018، الأحياء الفقيرة لحشد النساء هناك، كذلك نقلن النساء بالحافلات من القرى الريفية، وطبعن منشورات تحمل أعمالاً فنية لفنانات شابات، كذلك أعددن ملصقات تعبر عن استيائهن، وغضبهن، وأملهن، وشجاعتهن. وفي التاسع من مارس سارت نحو ستة آلاف امرأة سلمياً في كراتشي وثلاثة آلاف في لاهور، وسارت أيضاً مجموعات أقل عدداً في أماكن أصغر: بيشاور، حيدر آباد، فيصل آباد، شيترال. وهكذا شعلت المشاركات في هذه المسيرة عناوين الأخبار في أنحاء باكستان كافة.لكن رد الفعل المعاكس جاء سريعاً وازداد بشاعة يوماً بعد يوم: أولاً، ظهرت تهديدات بالعنف: بحثت مجموعات مجهولة من الرجال الشبان على موقع إنستغرام عن صور نساء شاركن في المسيرة ووجهوا إليهن تهديدات بالاغتصاب والقتل، كذلك أعلن رجل دين على شاشة التلفزيون أن شعار المسيرة "جسمي، خياري" يشجّع النساء على المجون، مما يسمح للرجال باغتصابهن، وبعد أسبوعين من المسيرة، طرحت مشرّعة من حزب ديني يميني في مجلس خيبر بختونخوا قراراً دان المسيرة وشعارها معتبراً إياهما "مشينين" و"فاحشين"، فتبنى المجلس هذا القرار بالإجماع.في الأسبوع الأخير من شهر مارس، ركّزت وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي على حالات عنف فاضحة ضد المرأة: ضرب رجل زوجته وحلق رأسها عندما رفضت الرقص لأصدقائه، وتعرضت امرأة أخرى للضرب من قبل زوجها الذي كبلها بسلاسل، وحمل شهر أبريل تطورات أشد سوءاً: خبر عن رجل قطع لسان زوج طليقته وآخر اعتُقل لاختطافه ابنة أخيه البالغة من العمر 14 سنة ليهربها ويبيعها في كراتشي.تُعتبر هذه الفظائع واسعة الانتشار في باكستان، لكنها باتت تُناقش اليوم علانية في الأخبار وعلى مواقع التواصل الاجتماعي بطرق تقوي تصميم المدافعين عن حقوق المرأة، بدل أن تتناقلها همساً النساء الخائفات اللواتي يعتقدن أن التغيير مستحيل.رغم ذلك، لم تتخيل منظِّمات المسيرة تفاعلاً من هذا النوع أو الحجم، أما النموذج الذي استندن إليه في احتجاجهن هذا، فكان المدافعات المخضرمات الجريئات اللواتي تظاهرن قبل أربعين سنة ضد جهود الحاكم المستبد الجنرال محمد ضياء الحق الظالمة التي هدفت إلى احتجاز المرأة في حالة من الخنوع والأسر المنزلي المتشدد، لذلك قدّمت هذه المسيرة عريضة بمجموعة مطالب: وقف جرائم الشرف، ورفع أجور العاملات في المنازل، وفي المصانع، وفي الزراعة، وتمتع المرأة بالحق في التعلم والحصول على فرص العمل كما الرجل، وسن قوانين تحمي النساء والمتحولين جنسياً.لكن النقاد، الذين رفضوا تقبّل الملصقات كوسيلة تعبير مرحة ذكية، اتهموا المشاركات في المسيرة بالفحش والانحطاط، علماً أن هذا اعتراض مألوف يُردَّد كلما طالبت النساء الباكستانيات بحقوقهن.تخوض منظمات المسيرة اليوم محادثات مع وكالة التحقيقات الفدرالية في باكستان بغية تحديد هوية وملاحقة مستخدمي نحو 22 حساباً على وسائل التواصل الاجتماعي تؤكد المشاركات في المسيرة أنهم انتهكوا قانوناً يمنع نشر تهديدات مليئة بالحقد. ولكن لم يعبّر أي أحد في الحكومة عن دعمه لمنظمات المسيرة هؤلاء، باستثناء تغريدة غامضة من إحدى الوزيرات الثلاث في الحكومة الفدرالية ذكرت فيها أن التهديدات بالعنف غير مقبولة. يعكس السخط الذي أُنزل على مسيرة هذه السنة تفاعلاً معقداً من كراهية النساء متأصلاً عميقاً في المجتمع الباكستاني. وتتمحور هذه الكراهية حول رفض التغيير والسير نحو رؤية تقدمية عن أمة تحمي حقوق المرأة الدستورية، حقوقاً يصونها دستور عام 1973 حين ينص "يجب عدم التمييز على أساس الجنس وحده".يقر باكستانيون كثر أن النساء يواجهن عقبات كبيرة، وأن تحسين مكانتهن يساهم في إخراج أمة بأكملها من حالة الفقر والظلم، لكن النقاد يعتبرون أن النساء يسعين وراء مقدار كبير من الحرية "بطريقة خاطئة" تنتهك حدود الإسلام، والثقافة الباكستانية، والمجتمع الباكستاني. بدلاً من ذلك، يقولون إن على المرأة أن تكون أكثر "نضجاً واتزاناً" عند مطالبتها بحقوقها. باختصار، يجب أن ترضى النساء بكل ما يقدّمه لهن الرجال الباكستانيون شرط أن يحسنّ التصرف.يشير بروز الحركة النسائية، التي تزداد معها النساء إدراكاً لحقوقهن وينهضن للمطالبة بها، إلى لحظة مصيرية في التاريخ الباكستاني: بداية تبدّل ثقافي في مواقف الجيل الجديد من المرأة ودورها في المجتمع الباكستاني العصري. لم يتخط نحو 65% من الشعب الباكستاني سن الثلاثين، ويبدو الباكستانيون الشبان أكثر ميلاً إلى المثالية وأكثر تعطشاً إلى التغيير.نأمل أن تنضج حركتنا وتنمو، ناشرةً الوعي عن أن المرأة تستحق معاملة أفضل وحقوقاً أكبر مما يُقدّم لها بتردد اليوم، ولا شك أن ما حدث أخيراً بعد المسيرة النسائية هذه السنة يُظهر أن عدو النساء الباكستانيات ليس الرجل، العدو الحقيقي تقبل المجتمع لهذه الهرمية الذكورية، كذلك يشير احتمال أن تؤدي المسيرة النسائية السنة القادمة إلى المزيد من العنف إلى أن النضال في سبيل حقوق النساء الباكستانيات لم يكن ملحاً يوماً يقدر ما هو عليه اليوم.إذاً، هل أخفقت المسيرة؟ كلا. تواجه النساء الباكستانيات أزمة، لكن وضعهن صار أخيراً جزءاً من حوار وطني.* « بينا شاه »
مقالات
الرجل ليس العدو الفعلي للنساء الباكستانيات
22-04-2019