تداعيات الحرب النفطية الباردة ورهانات المستقبل
بات في حكم المؤكد ضمن منظور التطورات اللافتة في ميدان الطاقة أن العالم يعيش ما يمكن وصفه بحالة الحرب الباردة النفطية التي تغذيها المنافسة الحادة على النفط والغاز، وأفضت بالتالي إلى تقلبات شبه يومية في الأسعار وسط غموض تام يحيط بمستقبلها. ويؤدي الرئيس الأميركي دونالد ترامب دور اللاعب الرئيسي في هذا السباق من خلال قراراته غير المدروسة، التي تتمحور فقط على العقوبات وفرض ضرائب على كل دولة ترفض الإذعان لمطالبه المجحفة، حتى إن كانت من الحلفاء التقليديين، وأبرز مثال على ذلك تهديداته لبلدان الاتحاد الأوروبي التي بدأت تتطلع إلى الشرق بقوة وتركيز واضحين.ومنذ بداية فترته الرئاسية أطلق ترامب مبدأ «أميركا أولاً» وتمسك به وخاض معركة مجهولة العواقب مع الصين، التي تعد ثاني أكبر اقتصاد في العالم، ولم تسلم من هذه الاستراتيجية دول أميركا اللاتينية وشركاء المحيط الهادئ.
ويستشهد محللون بالدراسات التي توقعت أن تفضي هذه المنافسة الى ضعف الاقتصاد العالمي في سنة 2030 وأن يصبح العالم أكثر كفاءة في استخدام الطاقة بنسبة 31 في المئة، وسوف نجد أن الطلب على الطاقة ينمو بصورة أبطأ مما نحن عليه الآن، وسوف تكون الدول التي يمكن أن تسجل أعلى طلب هي روسيا والبرازيل والهند والصين. وإضافة إلى ذلك، سوف يساعد الابتكار على دفع عجلة الاقتصاد وتحقيق أقصى درجة من مصادر الطاقة كافة، والسؤال هو: هل سوف نستغني عن الوقود الأحفوري في هذه الحالة؟ والجواب طبعاً لا ولأسباب متعددة، وسوف يصل استهلاك العالم من الطاقة إلى 6 في المئة في تلك الفترة. ولكن ماذا يعني ذلك بالنسبة للبيئة؟ والجواب هو استمرار استخدام الوقود الأحفوري كما أن الطاقة المتجددة تبقى الأسرع نمواً وبنسبة تصل إلى 8 في المئة في السنة، ويستمر الوقود الأحفوري في الهيمنة بنسبة 26 في المئة للغاز الطبيعي، و28 في المئة للفحم، و27 في المئة بالنسبة إلى النفط.وهنا يبرز السؤال حول علاقة ذلك بالبيئة، والجواب هو أن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون قد ترتفع بنسبة 26 في المئة، في حين التحديات الراهنة وسط الأزمات التي تواجه مستقبل الطاقة المتجددة في العالم قبل نهاية عام 2025 تتمحور حول توفير سبل وطرق الإنتاج والحفاظ على المصادر بما يمكن البشرية من الاعتماد على الطرق الأفضل للاستخدام والتخزين وتفادي الهدر المحتمل للمصادر.في غضون ذلك، يتفق معظم الأوروبيين على أن توفير مصادر طاقة يعول عليها وجديرة بالثقة ومعقولة الثمن يشكل أمراً على قدر كبير من الأهمية بالنسبة لأمن ورخاء أوروبا، إضافة إلى أن الطاقة يمكن أن تستخدم على شكل سلاح سياسي كما فعلت روسيا عندما قطعت إمدادات الغاز عن أوكرانيا في شهر يناير من عام 2006.من جهة أخرى، تبقى المشكلة الجوهرية متمثلة في حساسية الدول الأوروبية إزاء مسألة الطاقة، التي تتلخص في الانقسام الناشىء حول إمدادات الغاز والذي يتعين التعامل معه مباشرة وبوضوح.والحقيقة أن تفضيل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي التصرف بصورة أحادية إزاء مسألة الطاقة لا بد أن ينتهي لتحل محله استراتيجية مشتركة قائمة على التضامن بين الدول الأعضاء والاتحاد في الدفاع عن مصالحه في مواجهة الشركاء الخارجيين.